كتاب الأقدس ( القسم الثاني)

267

الاختلافات السياسية في أهم كتب البهائيين المعتبرة

مجلة جوهر ، السنة الرابعة، العدد 11و12، كانون الثاني وشباط 1977، الرقم المتسلسل 48 و47 : 910- 906

قبل حوالي ست سنوات والمصادف سنة 1390 قمري وبمناسبة الذكرى المئوية  لتدوين الكتاب الأقدس للبهائيين ، فقد تم التذكير بهذا الكتاب في الحفل ليتم نشره، وبعد سنوات طويلة لم يحصل معتنقو البهائية على مخطوط وطبعة جديدة  لهذا الكتاب ليكون في متناول أيديهم ، لذا أردوا في هذا الحفل الدعوة لنشره كي يتنسى لمعتنقي البهائية الحصول على هذا الكتاب. لا أدري ما السبب الذي جعلهم يسكتون وينسون هذا الأمر مرة أخرى. ربما كان موضوع لغة الكتاب هو الذي جعلهم يصرفون النظر عن طباعته من جديد، لأنه من النادر أن تجد إنساناً عربياً معتنقاً لهذا المذهب بين البهائيين كي يستطيع الاستفادة من هذا الكتاب ، فالعرب الذين تعلموا العربية قادرون على فهم لفظ الكلمات ومعانيها والعبارات العربية في الكتاب، وبالتالي يستمتعون بقراءة هذا الأثر الأدبي والمذهبي والأخلاقي. كما نعلم أن 97 بالمئة من سكان آسيا وأمريكا وأفريقيا من أهل اللغة الفارسية يعرفون هذا الاسم ويدركونه ، إلا أنهم لا يعرفون ولو القليل عن كتاب الأقدس باللغة العربية ، لهذا الأمر كان من المرجح أن يتم طباعة الكتاب ونشره باللغة الفارسية مقارنة باللغة العربية . ومن المستغرب هنا أن نرى أنّ البهائيين طوال مئة سنة لم يشرعوا بترجمة الكتاب الأقدس إلى لغات أخرى غير الفارسية كالانجليزية والتركية وغيرها من اللغات المعروفة ، وإلى الآن ، فإذا وجدنا ترجمة له فإنها ستكون بترجمة المسيحيين الروس والأمريكيين، فالمستشرق الروسي “تومانيسكي” ترجم الكتاب الأقدس إلى اللغة الروسية سنة 1899م ، وفي سنة 1961 قام الداعية البروستانتي الأمريكي ” الدرو ميلر” بترجمة هذا الكتاب ونشره إلى الانجليزية ، وكان هذا الداعية قد عاش في إيران، في حين أننا إلى الآن لم نر أي شخص من معتنقي البهائية في الشرق والغرب قد أقدم على عمل من هذا القبيل. إن التهاون وإضاعة الوقت في ترجمة وتفسير وطباعة الكتاب الأقدس يؤدي – تدريجياً- إلى سوء الظن به وعدم الاهتمام بهذا الكتاب الأساسي من قبل أبناء هذه الفرقة المذهبية، ومن جانب آخر فإنّ أفراد هذا المذهب غير قادرين على القيام بالأعمال والوظائف الشرعية التي تخدم مذهبهم.

ويُعتقد أنّ حجم كتاب الأقدس يعادل تُسع حجم القرآن الكريم، فكلمات القرآن من حيث المجموع تعادل ست وستين ألف كلمة ، وبالتالي فإن ترجمة وطباعة سبعة آلاف كلمة من الكتاب الأقدس لا تأخذ كل هذا الوقت والجهد من البهائيين. ومن ثم لابد من معرفة العلة الأصلية والسبب الرئيس الذي يجعل هؤلاء الأغيار لا يكشفون ويظهرون هذا الكتاب.

عندما يتم الحصول على النص القديم للكتاب الأقدس ويصبح في متناول اليد فإنه بعد أربع سنوات من تاريخ تدوين الأصل وقبل أربع عشرة سنة من كتابة ونشر النسخة الأولى منه ، فجميع القرائن للنسخة الأصلية من الخط والأسلوب ونوع الورق تؤيد أصالة النسخة هذه وقدمها، وبالتالي يصبح الوقت مواتياً للمقارنة بين النسخة الأصلية للكتاب الأقدس و طبعة بومباي، وعندما تتم المقارنة بينهما من البداية للنهاية، فإنه من النادر أن نجد مطابقة بين صفحة من النسخة المطبوعة مع النسخة الأصلية للمجموعة القديمة (94) ، فالاختلاف في الاثنتين وستين صفحة الأولى تصل إلى أكثر من مئتي موضع ، حتى أنه في الصفحة 57 و60 وعدة أسطر بعدهما قد حذفت من النسخة المطبوعة ( الشعار 3 و6). جاء في نهاية النسخة الخطية 1294 مايلي (الشعار 2):

«هذا سبب الاتّحاد لو انتم تعلمون و العلّة الکبری للاتّفاق و التّمدن لو انتم تشعرون. انّا جعلنا الامرین علامتین لبلوغ العالم و هو الاسّ الاعظم نزّلناه فی الواح اخری. و الثّانی نزل فی هذا اللوح البدیع. ختمتها فی یوم چهارشنبه 7 شهر صفر المظفر سنة 1294». فی حین أنّ نسخة بومباي تنتهي بمايلي:

” والثاني نزل في هذا اللوح البديع ، قد حرم عليكم شرب الأفيون، إنا نهيناكم عن ذلك نهياً عظيماً في الكتاب والذي شرب أنه ليس مني ، اتقوا الله يا أولي الألباب.”

وبناء على هذا فإنه من المعلوم أنّ (حرمت شرب الأفيون) أو بعبارة أخرى ( شرب الترياق) بهذه الصراحة ، قد أضيفت إلى تدوين الكتاب الأقدس وطباعته بعد عدة سنوات من ذلك . كما أنه وبعد مقارنة للنسخة الأصلية للكتاب والنسخة المطبوعة فقد تم ذكر مواضع الاختلاف إلى جانب الصفحات وفي الحواشي . وبالتالي يتم معرفة التغيير الحاصل بين النسختين، وبشكل خاص في الكلمات من ناحية القواعد العربية التي لا يقبل بها ناشرو الكتب أثناء طباعتها، لذلك كان بهاء قد أصدر الأمر لإصلاح الأخطاء الموجودة في النسخة الأصلية وتغييرها. 

وهذه التعديلات والتغييرات أحياناً ما تكون إملائية مثل” عفى” التي غُيرت إلى ( عفا) في السطر 7 من الصفحة 5 من النسخة الأصلية للمخطوط . أو يتم التغيير من الناحية النحوية مثل” أن يبلغ رشدهم” في النسخة الأصلية للمخطوط ، بينما نجدها في النسخة المطبوعة ” أن يبلغوا رشدهم”.

هذا النوع من تغيير الكلمات هو القسم الأكبر للاختلاف بين النسختين. والسطور القليلة من الصفحة 57 و60 تحتاج إلى مراعاة البلاغة الأدبية في الكتابة ، لكن زيادة حكم الترياق في نهاية النسخة المطبوعة يدل على الضرورة المتعلقة بمكان الطباعة ، وهذا الأمر والموضوع قد حظي بتدخل فقهاء الشيعة حيال تدخين الدخان والتنباك والـتأثير الكبير لهما و الفتوى المتعلقة بتحريمه في إيران ، الأمر الذي جعل هذه الفرقة تؤكد عليه وتبذل قصار جهدها على وضعها في نهاية النسخة المطبوعة.

على أية حال، فإنه في نسخة ” هو صاحب الحب والوفاق في بيان…” التي طبعت سنة 1315قمري أثناء ازدياد الاختلاف بين أولاد ميرزا حسين علي، فقد قام كل من ميرزا محمد علي الغصن الأكبر وميرزا آقاجان الخادم بالحصول على الإذن في إعادة النظر في كتابات بهاء الله ومنها الكتاب الأقدس ، وبناء على هذا فقد وجدا أنه من اللائق أن يقوما بتزيين الكتاب و إضافة العبارات والكلمات عليه أو تقليلها ، وفي النتيجة فقد أوجدا فروقاً كبيرة بين المخطوط الأصلي للكتاب الأقدس والنسخة المطبوعة. وقبل أن تنتشر نسخة الكتاب الأقدس المطبوعة في بغداد، فإن العرب في العراق وسورية وفلسطين ومصر لم يكونوا على معرفة ولو قليلاً حيال وجود مثل هذا الكتاب عند البهائية، وإن ابتعداد فكر عقلاء هذه الفرقة وعدم وجود كتاب الأقدس في متناول العرب ، لم يكن بسبب الاختلاف الظاهر الحاصل في الكتاب والذي أبدى العرب اعتراضهم عليه، بل لأن العقلاء العرب قادرون على فهم أسلوب الكتاب وكتابته ، فهم قادرون على اكتشاف كاتب الكتاب وتمييز أسلوبه وما يعتريه من أخطاء ، ويبدو أنهم يجدون أخطاء في كل صفحة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة أخطاء.

وقبل حدوث الخلاف بين أبناء بهاء، وبناء على ما كان معهود عليه بينهم فقد كانوا يكتبون الكتاب الأقدس ووصايا بهاء أو كتاب العهد ومجموعة الأسئلة والأجوبة حيال الأحكام المنصوص عليها مع بعضهم البعض .

في إحدى المجموعات هناك نسخة منها قد كتبت بخط زين المقربين في سنة 1310 قمري وبموافقة أنور ودود مهاجر الذي عاد من حيفا وعكا. وكان قد نقل من هذا الكتاب العديد من الجمل والشعارات وأضافها إلى كتابه كما كتب نسخة أخرى من هذه المجموعة التي أعطاها أحد من أقربائه لمتحف بريطانيا.

بعد هذا ألغي كتاب العهد وأصبح أولاد بهاء موضع لعن وسب البهائيين، وكأنه لا يرى أي توافق بين رسالة السؤال والجواب المكتوبة بالفارسية مع نص الكتاب القدس المكتوب بالعربية، وكلاهما قد انفصل عن الكتاب البهلوي الأقدس العربي.

ومن المسلّم به أنّ كل بهائي مؤيد لعبد البهاء ( عباس أفندي) وشوقي أفندي يرى أنه من اللائق أن يُلعن ميرزا محمد علي الغصن الأكبر وميرزا آقاجان الخادم واعتبارهما ناقضين للعهد وعدوين للبهائية، لأنهما لم يسعيا إلى إصلاح الأخطاء الواردة في الكتاب الأقدس ، حتى أنهما لم يُقللا من نقاط الاعتراض التي وجدت فيه ، أو حتى يشدا العزم في إعادة طبع نسخة جديدة من الكتاب الأقدس ونشره على نحو سليم. وفي الحقيقة فإنّ هذا الأقدس هو أقدس الغصن الأكبر لا الغصن الأعظم.

ومن ناحية أخرى فقد قاما بغض الطرف عن الاصلاحات والتغييرات في الكتاب وطباعته والعودة إلى نسخ المخوط الغير مطبوعة. وبالتالي فقد أصبح كتاب الأقدس محط اعتراض ونقد النقاد والأجانب الذين أشاروا إلى الأخطاء الإملائية والصرفية والنحوية والبلاغية التي عمت أرجاء الكتاب .

 

ولكن من الأفضل أن نتغاضى عن هذا الكتاب كما تم إهماله في السبعين سنة الماضية، وأن نعتبره من المجردات التي لا تراها العين ولا يمكن الحديث عنها. إنّ القراء ليسوا بحاجة ضرورية لتوضيح بعض المواضع في النسخة المطبوعة و مخطوط الكتاب الأقدس في النقاط 1و2 و3 و4 و5 و6 لأن التفصيل فيها لا فائدة منه ولا يفيدهم بأي شيء.       

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق

1 × 1 =