دراسة مكانة المعجزة عند الأديان السماوية والبهائية دراسة مقارنة

342

الموجز: 

إن دعوة الأنبياء كانت تصحبها تقديم آيات و علامات علي مر العصور و من بينها المعجزة. 

إن البينة أو المعجزة هي أمر خارق للعادة، لا أحد يقدر علي إظهارها إلا الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالي بإذنه و بها يثبت العلاقة بالله و يُثبت صدق كلام الأنبياء. 

عندما ادعى زعماء البهائية بالنبوة طُرحت مطالبات بتقديم المعجزات لإثبات نبوتهم كما كان يطرح في تقاليد الأنبياء السابقين، ولكن هم وفقوا ضدها ولو قدموها لتبينتت مزاعمهم و زيف دعواتهم. 

و في الوقت نفسه، إن الدعاة البهائيون شككوا في تقديم المعجزات في إثبات النبوة كدليل أو برهان و الإستناد بها فقاموا بتأويل معجزات الأنبياء السابقين إلي أشياء أخرى.

إن هذا البحث يهدف إلي دراسة مقارنة بين مكانة المعجزة في الأديان الإبراهيمية و البهائية فضلاً علي دراسة و نقد آراء الدعاة البهائيون في معجزات الأنبياء السابقين و رد على المقال الرقم 19 من كتيب “إزالة الشكوك” تحت العنوان “ما هي معجزة الدين البهائي؟”.

الكلمات الرئيسية: البينة، المعجزة، النبوة، البهائية، الباب، بهاء الله 

 

المقدمة:

عندما يدعي أحد بالنبوة و بأنه حامل رسالة من الله تعالي يجب أن يأتي ببراهين و دلائل لإثبات ادعاءه حتي يصدّقه الناس، و المعجزة من أنصع و أنجع الدلائل و براهين يتمسك بها المتنبئون لإقناع الناس في إثبات إدعاءاتهم عبر تأريخ الأديان. 

و رغم أن هناك آراء متعددة بين المتكلمين حول الدلالة العقلية للمعجزات كمعيار على صدق ادعاء النبوة إلا أنهم وافقوا علي قبول دلالة المعجزة علي صدق ادعاء النبوة كدليل إقناعي. (فخار نوغاني، دراسة و نقد الدلالة العقلية للمعجزات على صدق ادعاء النبوة6). 

هذا و أن الكثير من المتكلمين المسلمين يثبتون دلالة المعجزة على صدق ادعاء النبوة و ذلك استناداً على البراهين و الدلائل من بينها دليل الحكمة و دليل حكم الأمثال و دليل نقض الغرض (خويي، البيان في تفسيرالقرآن، 37؛ کريمي، مجال دلالة المعجزة، 55).

إن العلماء المسيحيين قد قبلوا دلالة المعجزة علي وجود الله و ادعاء نبوة من يدعي بها و صدق تعاليمه إلا أن فلاسفة المسلمين يجعلون دلالة المعجزة كافياً لتصديق ادعاة النبي بالعلاقة بالله (براتي و جوادي، مدلول المعجزة من وجهة نظر العلامة الطباطبايي و سويين برن، 36). 

من جهة أخرى إن المعجزة هي الفارق بين الذين يدعون النبوة حقيقة و الكذابون الذين يحملون هذه الصفة بغير حق. و كما أن ارسال النبيين لهداية الناس أمر تاريخي و قبله الناس طوال التاريخ، فإن الركوب علي موج العواطف الانسانية و استغلال هذه المفاهيم كانت موجودة في التاريخ ايضا. فمن هنا أن الناس لابد لهم أن يتمسكوا بوسيلة لاختبار الصادقين من الكاذبين و مدى حقيقة رسالتهم و بما أن تقديم المعجزات كان من سنة أكثر الرسل فإن هذا المعيار قد لقي اهتمامه من قبل الناس اهتماما (خويي، البيان في تفسيرالقرآن، 37).

إن هذا المقال يبين معجزات الأنبياء معناها و مفهومها و ميزاتها الرئيسة و يهدف الي تبيين مكانة المعجزة و قيمتها من وجهة نظرة الاسلام. و من الضروري بيان هذه النقطة أن البهائية يري دين الاسلام دينا إلهياً  و سماوياً و يعتقد بأن القرآن جاء من عندالله، فمن هنا أن فحوي هذا الكتاب السماوي ينفع في إقامة الاتحاد و الوحدة بين المسلمين و البهائيين. ولكن في نفس الوقت البهائييون يرون أن التورات و الانجيل من الله و لم يحدث أي تحريف فيهما (بهاءالله، ايقان، 57؛ اشراق خاوري، المحاضرات، المجلد1، الصفحات 130 و 131؛ اصفهاني، بهجة الصدور، 199)، فهكذا الاستشهاد بهذين الكتابين لايلقي قبولاً عند المسليمن ولكن إنه ينفع متتبعي البهائية. 

في المقال هذا نعالج مكانة المعجزة و مفهومها في المعتقدات البهائية لنبيين بأن الدعاة البهائيين كيف تعاملوا مع هذه القضية و هل هناك سبيل للإثبات إدعاء سماحة الباب و بهاءالله؟ 

من خلفيات البحث يمكن الاشارة الي كتاب آية الله أحمد الشاهرودي المسي بـ “دليل الدين” الذي خصّص فصلاً له و المقال القيم تحت العنوان “نقد شبهات البهائية في الإعجاز” من محمدحسن جواهري الذي تطرق الي دراسة دلائل إعجاز القرآن الكريم وردّ علي شبهات “كلبايكاني” في كتاب “الفرائد” و كذلك عالج مهدي هاديان في كتابه” قضية المشروعية”، موضوع المعجزة و مكانته في الاسلام و قارن بينه و بين الدين البهائي و كذلك الفصل السادس من كتاب “الكتاب المدرسي لمعرفة البهائية” تأليف حسين رهنمايي. والجدير بالذكر أن هذا المقال لم يهتم كثيراً الي مسألة إثبات ادعاء النبوي بل ركز علي قبسات إعجاز القرآن الكريم. 

المعجزة و خصائصها 

یجدر بنا في البداية أن نعرّف المعجزة و خصائصها في القرآن و الكتب الإلهية الماضية و نبيّن بأن كيف استفاد الأنبياء منها في اثبات نبوتهم و صحة رسالتهم تعريفاً موجزاً. 

 

1.المعجزة و خصائصها

 

1-1- تعريف المعجزة

 

إن المعجزة تطلق علي أمر خارق للعادة يقوم بها مدعيون النبوة لإثبات إدعائهم المرتبطة بعالم الغيب و رب العالم، و يتحدون الآخرين و لايستطيع أحد الإتيان بمثلها و لهذا سميت المعجزة لأنها يعجز الآخرين (سبحاني، المنشور الجاويد، 3/334).

القرآن الكريم يشير الي هذا المعني من خلال استخدام كلمات مثل “الآية” بمعني العلامة و”البينة” و”البرهان” و عبّر عنها في الروايات و ثقافة المتكلمين بالمعجزة لأنها علامة، تکشف عن عجز الآخرين في إثبات ادعاء النبوة. 

 

1-2-نماذج من معجزة الأنبياء في التورات 

 

جاء في القسم الرابع من سفر خروج التورات:

قال موسى لله: ولكن ها هم لايصدقونني و لايسمعون لقولي، بل يقولون: لم‌يظهر لك الرب. فقال له الرب: ما هذه في يدك؟ فقال: عصا، فقال: اطرحها إلي الأرض. فطرحها إلي الأرض فصارت حية، فهرب موسى منها. ثم قال الرب لموسي: مدّ يدك و أمسك بذنبها. فمد يده و أمسك به، فصارت عصا في يده، لكي يصدقوا أنه قد ظهر لك الرب إله آبائهم، إله إبراهيم و إله إسحاق و إله يعقوب. 

ما جاء في هذا القسم من التورات من معجزات أخرى كاليد البيضاء و فيضان ماء النيل علي الأرض و تحولها الي الدم، يجذب للقراءة. ولكن ما يهمنا في هذا الصدد هو أن التورات يصرح بأن هذه المعجزات جعلها الله لإثبات حقانية موسى و اعتراف بني اسرائيل به و برسالته و بصدق دعوائه ليدرك بنواسرائيل أن موسى صادق في ادعائه النبوة و علاقته بالله تعالي. جدير للذكر أن للأنبياء و خاصة موسي كانت معجزات أخرى جاءت في التورات و ما ذكرناه هنا ما هو إلا شاهد استشهدينا به.

 

1-3-معجزات عيسي المسيح كما جاءت في الانجيل 

 

نقل الانجيل و هو كتاب مقدس للمسيحيین معجزات كثيرة لعيسى، كإخبار عيسى امرأة سامرية بأن كان لها خمسة أزواج و ليس بينها و بين زوجها الحالي أى علاقة زوجية. و هذا ما أثارت دهشة تلك المرأة فقالت لعيسى: أليس أنت نبي؟ في الحقيقة أنها رأت أن هذا القبيل من الإخبار في الحوادث يستطيع أن يكون سبباً لنبوته بينما ما أخبرها عيسى بأنها نبي الهي. و جاء في القسم الخاص من الانجيل قضية شفاء مشلول بيد عيسى عليه‌السلام شفاء كاملاً. 

ما يفيدنا في بيان معجزات الانجيل هو فهم أقرباء المسيح من سبب ظهور هذه المعجزات. انتبه الى بيان مغبة أمر عيسى عليه‌السلام من لسان يوحنا: في ليلة جاء واحد من كبير رجال دين اليهود عند عيسى، يّدعى له نيفوديموس من فرقة الفريسيين و قال لعيسى: يا عيسي نحن رجال الدين نصدق بأنك بعثت من عندالله لهدايتنا و دليله معجزات قدمت لنا (انجيل يوحنا، القسم الثالث).

فنرى أن هذه المعجزات الكثيرة من قبل عيسى دليل على حقانية رسالته التي قبلها العلماء اليهوديين و هذا يشير الى أن المعجزة دليل على صدق كلام مدعي النبوة في الدين المسيحي. 

 

1-4-ميزات المعجزة من منظر القرآن الكريم 

 

إن القرآن الكريم ينقل لنا بأن الناس في الأزمنة المختلفة كانوا يطالبون من أنبيائهم “آية” أو “حجة” لإثبات حقيقة دعوتهم. والأنبياء كانوا يستجيبون لطلبات معقولة و منطقية تهدف الى كشف الحقيقة. علي سبيل المثال جاء في القرآن في سورة الشعراء، الآية المباركة 154: ما انْتَ اِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآية اِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقين. 

إن علامات النبوة جاء تحت العناوين المختلفة في القرآن، كـ ” الآية” – الأعراف /106 – و” البينة” –البقرة /87) و في مكان آخر نجد كلمة “السلطان” –ابراهيم/10-، كلها تشير الي هذا المفهوم و تدل عليه. 

هناك آي كثيرة في القرآن لايمكن معالجتها في هذا المجال الضيق إلا أن ما هو المسلم أن ادعاء النبوة لايمكن أن يكون بدون تقديم “آية” أو “بينة”؛ و لهذه البينات أنواع متعددة:

نوع من البينة التي جاءت كثيراً في القرآن هي ما نعبر عنها بأمر خارق للعادة من قبل نبي و نحن نسميها بالمعجزة. لهذه المعجزات ميزات نوضححها من خلال ذكر آي من القرآن.

 

1-4-1 لاتتم إلا بإذن الله و ارادته 

 

مَا کانَ لِرَسُول اَنْ يأْتِي بِآية اِلاّ بِاذْنِ اللَّهِ (الرعد، 38).

وَ رَسُولاً إِلي‏ بَني‏‌إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيكُونُ طَيراً بِإِذْنِ اللَّهِ ‏(آل عمران، 49).

 

1-4-2-إنها تصحب بإدعاء النبوة يعني حاملها يستخدمها كإثبات لرسالته و يعلن كونه نبياً. 

 

فَأَشارَتْ إِلَيهِ قالُوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيا. قالَ إِنِّي عَبْدُاللَّهِ آتانِي الْكِتابَ وَ جَعَلَني‏ نَبِيا (مريم، 29 و30). 

وَ رَسُولاً إِلي‏ بَني‏‌إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيكُونُ طَيراً بِإِذْنِ اللَّهِ ‏(آل عمران، 49).

 

1-4-3 إن ظهور المعجزة مصاحب بالتحدي أحياناً. يعني أنها تدعو الي معارضتها و مقابلتها و تريد من جميع أبناء البشر أن يأتوا بمثلها: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلي‏ أَنْ يأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يأْتُونَ بِمِثْلِهِ (الاسراء، 88).

 

1-4-4 إن العقل فور دركها و رؤيتها يميز صدق الصادق من كذب الكاذب 

 

«وَ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهتَزُّ کَأنَّها جآنٌّ ولّي مُدبِرًا و لَم يعَقِّب يمُوسي اَقبِل وَ لا تَخَف اِنَّکَ مِنَ الامِنينَ اسْلُکَ يدَکَ في جَيبِکَ تَخْرج بَيضَآءَ مِنْ غَيرِ سُوء واضْمُمْ اِلَيکَ جَنَاحَکَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِکَ بُرهَانَانِ مِنْ رَبِّکَ اِلي فِرعونَ» (قصص، 31 و 32).

«فَأَشارَتْ إِلَيهِ قالُوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيا. قالَ إِنِّي عَبْدُاللَّهِ آتانِي الْكِتابَ وَ جَعَلَني‏ نَبِياً» (مريم، 29 و30). 

و نموذج آخر هو اعتراف السحرة بأن موسي يملك قوة إلهية و إيمانهم برب موسي وهارون: 

«وَ أَوْحَينا إِلي‏ مُوسي‏ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِي تَلْقَفُ ما يأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ انْقَلَبُوا صاغِرينَ وَ أُلْقِي السَّحَرَةُ ساجِدينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمينَ رَبِّ مُوسي‏ وَ هارُونَ» (الاعراف، 117 تا 122).

فنري أن السحرة قد أدركوا بعقلهم و وجدانهم أن ما صنعت بهم عصا موسي لم يكن من جنس أعمالهم بل كان أمرا خارقاً للعادة فأدركوا أن مامصدر هذه القوة إلا الله تعالي و أن موسي و هارون كانا صادقين في رسالتهم الإلهية. 

 

1-5-خصائص معجزات الأنبياء والأوليا في الروايات

 

 قد ورد موضوع معجزات الأنبياء في روايات أهل البيت عليهم السلام وذكرت خصائصها وتبين سبب منح المعجزات للأنبياء.

 

1-5-1.المعجزة علامة صحة ادعاء النبوة و صدقها

 

عن أبي‌بصير قال: قلت لابي‌عبدالله(ع): لاَي علة أعطي الله عزوجل أنبيائه و رسله و أعطاكم المعجزة؟ فقال: ليكون دليلاً علي صدق من أتي به، و المعجزة علامة لله لايعطيها إلا أنبيائه و رسله و حججه ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب (ابن بابويه، علل الشرايع، المجلد1 ص122؛ مجلسي، بحارالانوار، المجلد11، ص71). 

 

1-5-2- معجزات الأنبياء تتناسب أحوال قوم النبي 

 

إن معجزات الأنبياء تناسب خصائص قوم نبيء عصرهم. هناك رواية نقلها ابن‌السكيت عن الامام الرضا عليه‌السلام عن سبب تفاوت المعجزات بين الأنبياء. قال ابن‌السكيت لأبي‌الحسن الرضا عليه السلام:” لماذا بعث الله عزّوجلّ موسي‌بن‌عمران بالعصا و يده البيضاء وآلة السحر و بعث عيسي عليه‌السلام بالطب و بعث محمداً صلي‌الله عليه وآله بالكلام و الخطب؟

فقال له أبوالحسن عليه‌السلام: إنّ الله تبارك‌وتعالي لما بعث موسي عليه‌السلام كان الأغلب علي أهل عصره السحر، فأتاهم من عندالله عزوجلّ بما لم‌يكن في وسع القوم مثله، و بما أبطل به سحرهم و أثبت به الحجة عليهم و إنّ الله تبارك‌وتعالي بعث عيسي عليه‌السلام في وقت ظهرت فيه الزمانات و احتاج الناس إلي الطب، فأتاهم من عندالله عزّوجل بما لم‌يكن عندهم مثله، و بما أحيا لهم الموتي و أبرأ لهم الأكمه و الأبرص بإذن الله و أثبت به الحجة عليهم. و إنّ الله بعث محمداً صلي‌الله عليه وآله في وقت كان الأغلب علي أهل عصره الخطب و الكلام -(و أظنه قال: و الشعر)، فأتاهم من كتاب الله عزوجلّ و مواعظه و أحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم، فقال ابن‌السكيت: تالله ما رأيت مثلك اليوم قطّ، فما الحجة علي الخلق اليوم؟ فقال عليه‌السلام: العقل يعرف به الصادق علي الله فيصدّقه و الكاذب علي الله فيكذِّبه (ابن‌بابويه، عيون أخبارالرضا، ج2 ص79؛ مجلسي، بحارالانوار، المجلد11، ص70). 

فتبين لنا مما قلنا أن المعجزة أمر معجب يقوم بها الأنبياء كأمر خارق للعادة لإثبات نبوتهم و أنها ماوراء القوانين المعتادة و المرسومة في الطبيعة، و لايقدر عليها الناس العاديين. و من خصائص المعجزة هي التحدي و عدم الانتصار عليه و تناسبها مع أحوال القوم الذي يعيش فيه نبيهم و لايقدر أحد على تحقيقها و لهذا تتمتع بمكانة مرموقة لأنها تميز الصادق من الكاذب و تُبيّنُ الحقيقة للناس. 

 

2-مكانة المعجزة عند البهائية 

 

عندما ادعي الباب بالنبوة، فطالبه الناس في تلك الحقبة من الدهر بتقديم معجزة أو أمراً خارقاً للعادة ليثبت بأن رسالته الهية (كلبايكاني، کشف الغطاء، 202؛ آيتي، الکواکب الدرية، المجلد1 ص236). 

إن الباب أعلن عن نبوته في حين أن المسلمين كانوا يعتقدون بختم نبوة محمد صلی‌الله عليه وآله و طبعاً لم يكن هناك وعد للظهور وعدت به الكتب السماوية السابقة. فالباب لم‌يقدم أمراً خارقاً للعادة كما قدمها الأنبياء السابقين وفقا لظروف الناس الحالية. نعم ان كان يريد الباب أن يأتي بمعجزة فينبغي عليه تقديم معجزة تتناسب و مقتضيات عصره من تقدم تکنولوجي و صناعة ( هاديان، قضية المشروعية ص98). 

 

2-1-محاولة الدعاة البهائيية لإخراج المعجزة من المعنى أنها “خرق للعادة”

 

الباب ادعي شيئاً جديداً و قال: إن معجزتي هي كلامي و رسالتي و هذه الجملات التي أجريها علي لساني. يكتب في كتاب البيان الفارسي: “أنظروا في القرآن، لو وجدتم أن الله احتج في إثبات حقانية رسول الله بالآيات، فتأملوا انتم ايضاً…” (الباب، البيان الفارسي، 17). و هكذا أعلن عن عدم الجدوي في الاحتجاج بالمعجزات خارج الآيات النازلة. 

و قام بعده، بهاء الله بتأويل المعجزات في كتابه “الايقان” فجعل المراد من الحية و الأفعي قدرة موسى و جعل المراد من اليد البيضاء، معرفة موسى (بهاءالله، الايقان، 7). و كذلك استمر في تأويل المعجزات فأوّل النار التي أوقدها نمرود لحرق ابراهيم عليه‌السلام، بحقد الحسد و الإعراض و المخالفة ( المصدر نفسه). 

و الدعاة البهائيين الذين جاءوا بعد بهاءالله و قاموا بشرح كتابه الايقان، منكرين المعاني الظاهرية للمعجزات في القرآن و التورات و أكدوا علي أن المعني المقبول لهذه المعجزات و الطريق الصواب لفهمها هي تأويلات بهاءالله. ((اشراق خاوري، قاموس الايقان، المجلد1 ص362 و 480؛ المجلد2 ص 1022؛ مجموعة من الكُتّاب، كتيب إزالة الشبهات، ص 119-123). 

و بهاء الله ولو أنه لم‌ينكر قدرة الأنبياء على أداء أمور خارقة للعادة ولكن لايجعل لها دوراً خاصاً في هداية الناس. و هذا يدل علي أن الدعاة البهائيين يحاولون الخروج من ظاهر القرآن و التورات و الانجيل و يستبدلون الظاهر بالتأويل. يقول عبدالبهاء: نحن لانقصد بأن الأنبياء عاجزون عن تقديم المعجزات بل هم القادرون ولكن ما يهمهم هو البصيرة الباطنية و البُعد الروحاني و الحياة الأبدية، فهكذا كلما وجدنا في الكتب المقدسة عبارات مثل ” كان أعمي فأصبح البصير” فالمراد أنه كان الأعمي باطناً فغدا البصير روحانياً أو كان جاهلاً فأصبح عالماً أو كان غافلاً فأصبح يقظةً و لأجل أن هذه البصيرة و السمع و الحياة و الشفاء سرمدي فلها أهمية خاصة و لا أهمية للحياة و القوي الحيوانية و لا قدر لها (عبدالبهاء، المفاوضات، 79). 

إن هذا التأويل و الخروج من الظاهر ولو من الممكن القبول بهما في بعض الآي ولكن طرحه كأصل عام يتعارض و بعض الآيات و هذه الآيات لو كنا نؤولها لتحولت الي مفهوم معقد و غير مبرر. علي سبيل المثال إن معجزة صالح عليه السلام كانت خروج الناقة من الجبل وتحديد شربها الماء في أيام محددة أو قتل الناقة من قبل معارضي صالح عليه‌السلام (الشعراء، 105؛ الاعراف، 73 ـ 77؛ الشمس، 13) هذه المعجزات لم‌تكن متوافقة مع أي تأويل. أو كان یبدو هكذا أن احتجاجات موسي و عيسي عليهماالسلام بالبينات والآيات الإلهية لإثبات حقانيتهم كانت لغواً، لأن لواهتدى الناس فلم‌يك حاجةً بالاحتجاج و إن لم يقبلوا علي الهداية فالهداية لم تتحق. 

جدير بالذكر أن حجية ظاهر النص أمر قبلته سيرة أهل‌البيت و المتشرعون و العقلاء (غروي اصفهاني، نهاية الدراية في شرح الکفاية المجلد 3 ص33؛ صدر، دروس في علم الاصول، المجلد2 ص159) و العدول عن المعني الظاهري لايبرر مالم‌يوجد دليل عليه لأن يُلزم حينئذ نقض هدف الله من نزول الآيات، و هذا يعني أن ظواهر الآيات حجة مادام لم‌يقع في تناقض مع الآيات الأخرى أو العقل ولو أن نصرف عن ظواهر الآيات مؤدا هذا أن الله تعالي أنزل آيات و ألها الناس بها لآلاف سنين بينما مراده من ارسال الآيات شيء آخر و في هذه الفترة كلها حرم الانسانَ من فهم مراده الأصلي و دركه. 

 

2-2-نقد نظرة كلبايكاني في الرد علي سبب عدم اظهار خوارق العادات من قبل الباب و بهاءالله 

 

أبوالفضل كلبايكاني من كبير الدعاة البهائيين في كتابه المشهور بالفرائد يبرر لعدم تقديم البهائية معجزة. و في البداية يكرر نفس الادعاء التي ادعاها الباب بأن القرآن الكريم يحتج بالآيات النازلة و لايحتج بسائر المعجزات. يقول هو: ان تبحثوا في القرآن لن‌تجدوا بأن رسول الله يحتج بالمعجزات لإثبات رسالته بل أنه يرفض حجية المعجزات بصراحة. و ما يقصده الله من عدم بعث معجزة و عدم جعله المعجزات سبباً لرسالته هو أن الأمم الماضية مثل عاد و ثمود و غيرهما كذبوا معجزات الأنبياء و حملوا الآيات الالهية علي السحر و الباطل و نحن أهلكنا تلك الأقوام الطاغية و أمحيناهم لأن الله لايبعث معجزة إلا للإنذار و الإهلاك. هذا و لأن وجود خاتم الأنبياء المبارك رحمة للعالمين و المشية اللهية كانت قد اقتضت علي عدم انقراض جيل القريش و سائر العرب و قبائل اليهود و فرق أخرى بل ليظهر مؤمنون بعدهم فلأجل هذا أبي الله من تقديم المعجزات و لم يقدر هلاك هذه الأقوام و خصص الحجية في كتاب فيه رحمة و الهداية و لايقدر أحد علي الاتيان بمثله (كلبايكاني، الفرائد، ص80/81).

و هكذا الدعاة البهائييون يرفضون جميع الروايات التي تؤيد المعجزات الاقتراحية من قبل رسول الله صلی‌الله عليه وآله، و لايقدرون لها بثمن و يرونه معارضاً للقرآن. (المصدر نفسه/89)

و نقول رداً علي هذا الادعاء بأن انكار المعجزات و عدم الايمان بالأنبياء لايؤجب نزول المصيبة و البلا للمنكرين. و على سبيل المثال إن اليهود الذين لم‌يؤمنوا بعيسي بعد أن رأو معجزاته و خططوا لقتله، ولكن لم أصيبوا بعذاب و لم‌يهلك هولاء المنكرين (هاديان، قضية المشروعية، ص140).

و ثانياً أن القرآن و الانجيل و التورات يشهد علي أن الأنبياء كانوا يعدون المعجزات سبباً في أن دعوتهم دعوة الهية و يرون أن هذه المعجزات تتم بإذن الله فقط. 

و الثالث: صحيح أن القرآن المعجزة الخالدة للنبي الأكرم و أكبر معجزاته و لكن ليس المعجزة الوحيدة له، (خويي، البيان في تفسير القرآن، 107) بل إن النبي الأكرم قام بتقديم معجزات اقتراحية أحياناً و ذلك للرد علي المعارضين و اتمام الحجة عليهم؛ كشق القمر (القمر، 1 و قمي، تفسير قمي، المجلد2 ص341) أو الشجرة التي تحركت من مكانها تنفيذاً لأمر الرسول صلي‌الله عليه و اله (سيد رضي، نهج البلاغة، خطبة 192).

و الآية التي استدلت بها كلبايكاني هي آية من سورة الاسراء،(59) لاتكفي للاستدلال. و هي: 

وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَينا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً.

فنلاحظ أن الله تعالي قد أشار الي عدم ارسال الآيات و هو جمع معرف بالالف و اللام و ليس المقصود منه بأن الله لن‌يجعل أي آية لبيان حقانية رسول الله لأن المسلمين و البهائيين كليهما يتفقون في اعجاز القرآن و هذا الفهم يتعارض و اعجاز القرآن (خويي، البيان في تفسير القرآن، 107).

بل إن بقية الآية تدل علي أن الله امتتع عن ارسال آيات لمجموعة خاصة من المعجزات أي المعجزات الاقتراحية وقد أشار الي تلك الآيات بألف و اللام العهدية، يعني بعبارة آخري إن الله امتنع من ارسال جميع المعجزات الاقتراحية و المعجزات التي طالب بها مشركو المكة و سبب هذا الامتناع بسيط ايضا لأن الله تعالي، كان يري بأن بعض المعجزات المطلوبة بها من قبل قوم النبي (ص) كان كافياً لإثبات رسالته و الهدف من ارسال المعجزات الأخرى منع من السخرية بالآيات الالهية و كذلك منع من الإسراف و الإكثار في مطالبة المشركين بتقديم المعجزات. 

 

2-3-نقد نظرية كلبايكاني القائل بأن المعجزات لا تدل علي كون دعوة الأنبياء أمرا الهيا

 

إن الدعاة البهائيين لايجعلون المعجزات دليلاً لصدق ادعاء النبوة و يقولون: ما يدل علي أن دعوة نبي دعوة علي اساس الحق هو في الكلام الذي يجريه علي اللسان و يكمن في كتابه و إن هو يفعل أمراً خارقاً للعادة و لكن هذا ليس دالاً علي كون دعوتهم دعوة الهية و يحتجون بأن النبي الأكرم لم‌يستدل بالمعجزة في القرآن الكريم(كلبايكاني،الفرائد/88) و إن الله لم‌يجعل أي آية دليلاً لكون دعوته دعوة الهية إلا القرآن الكريم (المصدر نفسه) أي ليس هناك ارتباط منطقي بين ادعاء النبوة و المعجزات الظاهرية، و بيان هذا أن من يدعي في الطب و الطبابة، فيتوقع منه علاج المرضى و لايتوقع منه أن يطير أو أنطق حجراً مثلاً. ولو أنه استطاع أن يقوم بهذه الأعمال و يثير إعجاب الآخرين ولكن هذا لايمت بإثبات طبابته بأي صلة و لادور له فيها. ( مجموعة من الكتاب،إزالة الشبهات، الصفحات 123و124). فانطلاقاً من هنا، هولاء الكتاب يعتقدون أن الآية الوحيدة لصدق حقانية دعوة الأنبياء هو كتبهم فحسب و كذلك إن ميزان صدق دعوة الباب و بهاء الله هو كتبهم و تعاليمهم ولاغير!

 

2-3-1- إن الله تعالي قد أشار الي معجزات أخرى للرسول الأكرم و جعلها دليلاً لدعوته و آية و بينة لصدق دعوته و  صحتها: 

«قَدْ كانَ لَكُمْ آيةٌ في‏ فِئَتَينِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في‏ سَبيلِ‌اللَّهِ وَ أُخْري‏ كافِرَةٌ يرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ رَأْي الْعَينِ وَ اللَّهُ يؤَيدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يشاءُ إِنَّ في‏ ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصار”. ( آل عمران/13) فنري أن ضِعف عدد جيش المسلمين في نظرة الكفار – وهذا خرق صريح للعادة- عُبّر عنه كآية لذوي البصيرة. 

 

2-3-2- إن المظاهر الدالة علي حقانية الرسول الأكرم فضلاً علي القرآن الكريم، قد أستدل اليها في آيات من القرآن(شاهرودي/41) “لقد ارسلنا رسلنا بالبينات و انزلنا معهم الکتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط”. (آل عمران/13). و نري في هذه الآية الشريفة أن للأنبياء آيات و بينات فضلاً علي الكتب و إن النبي الأكرم ليقع في هذا الشمول بالتأكيد و ليس خارجاً عنه. 

و يبدو أن تخصيص علامة النبوة في كلمات النبي و كتابه السماوي و ثم أن ننسب هذا الاستدلال بالقرآن الكريم تخصيص عشوائي يتعارض و آيات القرآن الكريم. 

 

3-تقديم معجزات من قبل الباب و بهاء الله لإثبات حقانيتهم

 

يبدو أن محاولات كلبايكاني في أن المعجزة لا أثر لها في إثبات نبوة مدعيي النبوة لم يكن لها أثر لأنه لم يجيب أسئلة كثيرة، و في كتابات بهاءالله شكلاً و معناً هناك إشكاليات أدي الي الترديد و التشكيك فيها و لم‌يتشابه أي تشابه بالمعجزات الالهية حتي وصل بهم الأمر الي أن الدعاة و زعماء البهائية نسوا المبدأ الذي كانوا معتقدين به أي أنه لا معجزة لإثبات النبوة إلا الكلام و فحوي الرسالة، فقاموا لإثبات حقانيتهم بتحقيق أمور خارق للعادة و سنبين هذه المعجزات في الصفحات التالية و نوضح هل يمكن تطبيق خصائص المعجزة – التي ذكرناه في مقدمة المقال- علي هذه المعجزات أم أنها تتعارض مع هذه القواعد؟

 

3-1-قدرة فائقة في الاختزال 

 

شوقي‌أفندي رباني كبير زعماء البهائية يقول: إن كتاب مستطاب الايقان من أعظم آثار بهاءالله الذي نُزل في السنين الأخيرة في الفترة التي كان يقيم بغداد (1278 ه. ق./ 1862 م.) طوال يومين و ليلتين.

و مثل هذا الادعاء طرحها الباب في كتاب البيان، يقول من أسباب نبوتي هو أن القرآن الكريم نُزل علي النبي الأكرم في 23 سنة ولكن أنا في خمسة ساعات جئت بألف بيت و الحقيقة إنني أراعي الكاتب و إلا أستطيع أن أقل أسرع من هذا و أكثر من هذا المقدار (الباب، البيان الفارسي/117). 

نعم و هكذا يري شوقي‌أفندي أن الاختزال سبب صدق رسالته. هذا الادعاء يشبه ادعاء الانبياء و هم يفعلون أموراً خارق للعادة و كانوا يجعلونه دليلاً بصدق رسالتهم. ولكن المهم هو أن هاتين القضيتين لايمكن الجمع بينهما ولو سلمنا بصحة ادعاء أفندي فإنه ليس سبب الاعجاز و المعجزة. عند دراسة كتاب الايقان نجد أن هذا الكتاب ألف في أكثر من سنة لأن بهاءالله يقول في الكتاب نفسه: انقضي ألف سنة و مائتان و ثمان من السنين من ظهور نقطة الفرقان – أي الرسول – وجميع هؤلاء الهمج الرعاع يتلون الفرقان في كل صباح، و مافازوا للآن بحرف من المقصود (بهاء الله، الايقان/114). يتضح من هذا أنه كتب هذه الجملات في سنة 1280 القمري، ولو نسلم بمبدأ يقول إن النبي الأكرم ظهر 13 سنة قبل الهجرة أي علي أساس بعثة النبي، هذه الجملات قد كُتبت في سنة 1267 و هذا مما يتعارض مع تأليف الايقان في البغداد. 

و في الوقت نفسه نري في الايقان: “رغم أن أمر تلك الحضرة لم يطول أكثر من الصباح حتي الظهر ولكن هذه الأنوار المقدسة انقضي ثماني عشرة سنة عليها و البلايا صُبّت عليها کالمطر من جميع الجهات (بهاء الله، الايقان،150).

يتضح من هذا أن السنة التي كتبت هذه الجملات فيها كانت في 1287 يعني بعد مرور ثمانية عشر عاماً من ادعاء الباب. و هذان النموذجان يكفيان لإبطال ادعاء الباب الذي قال أن الكتاب نُزل في يومين!

إن الاختزال و الحرافية و الإكثار في القول – ولو نسلم بأنه صادق في ادعائه ولكن المصادر البهائية المستقة لاتؤيده- لايعد من أمور خارق للعادة. هناك نماذج من النسيان نازله (آیتی، الکواکب الدریه، المجلد1 ص 235-237) و الأخطاء اللفظية و المعنوية الكثيرة التي وقع فيها الباب (هادیان، قضية المشروعية، ص102 – 104) و عبارات مهملة و بدون معنى كلها تدل على بطلان ادعاء المعجزة. ولو أن جميع كتاباته كانت بعيدا عن الأخطاء الشكلية و المعنوية من الممكن أن نعد الاختزال من علامات الاعجاز و المعجزة ولكن التكلم في غير المحل و وضع الكلام في غير موضعه من علامة الجهل و الجهالة لا آية الاعجاز. يقول النظامي الكنجوي: 

با اینکه سخن به لطف آب است

کم گفتن هر سخن ثواب است

آب ارچه همه زلال خیزد

از خوردن پر، ملال خیزد

کم گوی و گزیده گوی چون در    

 تا ز اندک تو جهان شود پر

لاف از سخن چو در توان زد

آن خشت بود که پر توان زد

 

3-2-النوم يستطيع أن يكون دليلا للايمان بالباب

 

كمثال آخر، يمكن للمرء أن يشير إلي ايمان بعض الشخصيات البابية أو البهائية بالباب، و ذلك من خلال رؤية حلم فقط؛ حيث أن هناك كثير من “حروف الحي ” آمنوا بالباب علي أساس نومهم أو بعض الملاحظات في عالم الأحلام، أبرزها “فاطمة زرين‌تاج أم سلمي المعروفة بطاهرة”. هي كانت في العتبات و رأت نوماً و سمعت في نومها جملات من شيخ كبير و سجلتها، و عندما رأت هذه الجمل نفسها في كتاب قيوم الأسماء، فآمن بالباب (محمد حسني، حضرة الباب/342). و نموذج آخر من هولاء المؤمنين بالباب هو الملاعلي البسطامي (كهرريز، حروف الحي، 48). وأدرك الملايوسف الأردبيلي بعد نوم أن الطريق الصواب و روية القائم الموعود هو السفر الي الشيراز ( المصدر نفسه/64) أو الدرويش الهندي الذي رأي الباب في النوم و أمره الباب بترک ماله و ثروته و أن يسرع اليه ثم حقيقة اتجه نحو الباب و أصبح من أنصاره (شوقي‌افندي، قرن بديع، 74).

و نحن نقول في مقام النقد أن النوم و الرؤي الصادقة يمكن أن يكونا للبعض سبباً للحجية في قول من يدعي بالنبوة ولكن ليسا بالضرورة حجية للآخرين و لايمكن عدهما من المعجزات لأنه من الممكن أن أشخاصاً آخرون يرون حلماً غير هذا الحلم و متأكدون ببطلان ادعاء مدعي النبوة؛ بل كثير من هذه الرؤي أحلام أضغاث و لاقيمة لها عند الحجة. 

 

3-3-ادعاء بأن الباب وبهاء الله أميان

 

يدعي البهائيون أن الباب و بهاءالله كالأنبياء السابقة من الأميين و هذا ما صرح به الباب و بهاءالله أنفسهما في كتبهما، و عبدالبهاء يؤكد علي هذه الميزة و يقول: إن نورانية المظاهر المقدسة تنبع من ذاتهم و أن الباب و بهاء لم يدرسا في أي مدرسة و لا مكتب (عبدالبهاء، الخطابات الكبيرة/7).

ولو أن هذا ادعاء باطل نتيجة دراسات تاريخية تمت حول تعلمه (حاج قرباني، الأنبياء غير المتعلمين) إلا أن هذا نموذج من تمسك الدعاة البهائية بظهور أمور خارقة للعادة و هذا يتناقض و إدعائهم السابقة. 

 

3-4-ادعاء شفاء المرضي

 

عندما كان الباب مقيماً في قصر منوتشرخان معتمدالدولة كُرجي، الناس كانوا يذهبون إليه لشفاء مرضاهم و هذا جاء في الكتب التاريخية البهائية. (شوقي، تلخيص تاريخ نبيل/173).

جاء في كتب التاريخ للبهائية أن محمدشاه كان مريضاً و في رجله مرض عضال و أن الباب طلب أن يجيئون به عنده ليراه و يشفيه حتي يفهم الناس أنه يختلف عن سائر الناس ولكن يمنعه الحاج ميرزا آقاسي. 

 

5- بهاء الله يدعي بتحقيق معجزة في البغداد: 

 

دعا بهاءالله في مواقع متعددة المشككين في حقيقة ادعائه النبوة، أن يجمعوا في مكان و يطالبوا منه بتقديم معجزة و تصديقه. انتبهوا للمثال التالي: 

اختير شخص المسمي بميرزا حسن و أرسله زين‌العابدين خان الي بهاءالله، في البداية سأل أسئلة علمية فلقي أجوبة كافية فقال: نحن نسلم بأنك صاحب يد طولي في العلم و لايشك أحد في هذا ولكن أرسلني العلماء يطالبون منك بتحقيق أمر خارق للعادة لتطمئن قلوبهم. قال بهاءالله، لا مشكل، أنا أقول لكم وافقوا علي تحديد طلبكم ولو ظهر الأمر لاتشكون و لاتثيرون الشبهات بل تسلمون له و تقرون به، فحينئذ أن أرسل لكم شخصاً ليظهر تلك المعجزة و أن يأتي بها (الخطابات المبارکة، المجلد3، ص76؛ مجموعة من الكتاب، كتيب إزالة الشبهات، ص123). و هناك نماذج مماثلة من هذه الادعاءات في تاريخ البهائية وكتبهم. 

و النقطة الهامة هي أن في جميع هذه الحالات لم‌تحدث معجزة وصرح الكُتّاب البهائيون أن لم تتشكل أي جلسة لتقديم معجزة بهاءالله (كلبايكاني، الفرائد، ص92-95).

إن الهدف من ذكر هذه النماذج بيان أن الدعاة البهائيين رغم أنهم يتعقدون بأن المعجزة و الأمور الخارقة للعادة ليست سبباً لنبوة مُدّعي إلا أنهم أبدوا عن استعدادهم لتحقيقها؛ و ماأدي الي عدم ظهور هذه المعجزات البهائية هي االکسل و الضعف و عدم الاهتمام أو خوف معارضي هذه الديانة من ظهور معجزة لايمكن أن تؤيده المصادر التاريخية المستقلة. و هذا الاستعداد لتقديم المعجزات يشير الي أن بهاءالله كان قد قبل اثبات النبوة بواسطة تقديم المعجزة و كان ينوي أدائه للإعلان عن دعوته كدعوة الهية ولكنه لم تتوفر أرضية مناسبة لظهور هذه المعجزات.

نتائج البحث: 

1-المعجزة أمر خارق للعادة قد تصحب التحدي. و المعجزة بما أنها علامة من اتصال النبوة و النبي بعالم الغيب، لها دور في إقناع المخاطبين و تصديق دعوة النبي بأنها دعوة الهية و رسالة الهية. 

2-إن التورات و الانجيل و القرآن الكريم، نقل نماذج كثيرة من المعجزات للأنبياء الإلهيين و تقديم هذه المعجزات من قبلهم سبب حقانيتهم وصدقهم. 

3-قد حاول البهائيون أن يفسروا الامور الخارقة للعادات التي جاء بها الأنبياء، لاتدل علي حقانيتهم، وذلك من خلال تأويلهم للمعجزات ولكن هذه التأويلات لاتتناسب و ظاهر آي القرآن و التورات و الانجيل و لايمكن الاعتراف بها علي أساس مبدأ حجية الظهور. 

4- ادعي البهائيون أن المعجزات التي لاتتناسب مع ادعاء نبوة الأنبياء لايمكن أن تكون علامة علي كونه الهيا إلا أن ما صرح به البهائيون تعارض و القرآن و الانجيل و التورات و أن الأديان الالهية لاتستطيع الاعتراف به و قبوله. 

5-مع كل هذا، إن البهائيون حاولوا أن يظهروا نماذج من أمور خارقة للعادة لقادتهم و دعاتهم ثم يجعلها سبباً في ايمان عدد من البابيين و البهائيين بالباب و البهائية، و الحق أن الكثير مما عدّها البهايئون ضمن خارق العادات، لايشمل علي المعجزة و لايمكن عدها من خوارق العادات أولا و أن هذه الادعاء يتناقض و عقيدتهم في الرقم الرابع المشار اليه.  

 

 

قائمة المصادر: 

 

1.القرآن کريم. 

2.العهدين، ترجمة تفسيرية، بدون التاريخ. 

3.آيتي عبدالحسين، الکواکب‌الدرية في مآثرالبهايي، بدون التاريخ، مصر: مطبعة السعادة. 

4.ابن‌بابويه محمدبن‌علي، 1385 ه. ق. قم: مكتبة داوري. 

5.اشراق خاوري عبدالحميد، قاموس الايقان، 128 بديع، مؤسسة وطنية مطبوعات امري. 

6.اشراق خاوري عبدالحميد، محاضرات، 120 بديع، بي جا: مؤسسه ملي مطبوعات امري. 

7.اصفهاني ميرزا حيدرعلي، بهجت الصدور، 1331 قمري، بمبئي. 

8.باب ميرزا علي‌محمد شيرازي، البيان الفارسي، بدون التاريخ. 

9.براتي فرج الله – جوادي محسن، مدلول المعجزة من وجهة نظر العلامة الطباطبايي و سويين برن، 1394، مجلة فصلية علمية محكمة، فلسفة الدين، السنة الرابعة، العدد الأول. 

10.بهاءالله ميرزا حسين‌علي نوري، الايقان، 155 بديع-1998 الميلادي-1377 الشمسي، آلمان، هوفمايم: اللجنة الوطنية لنشر الآثار البهائية الي اللغتين العربية والفارسية. 

11.الحاج قرباني نركس، الأنبياء الأميين، 1395، طهران: فصلية معرفة البهائية، السنة الأولي، العدد الأول. 

12.مجموعة من الكتاب البهائية، ملزمة إزالة الشبهات، التنقيح الثاني، الخريف 1388: www. rafe-shobahat. ning. com

13.جواهري سيد محمدحسن، نقد شبهات البهائية في الاعجاز، 1388 الشمسي، کتاب النقد، سنة الحادية العشرة، الأعداد 52 و 53. 

14.خويي سيد ابوالقاسم، البيان في تفسيرالقرآن، بدون التاريخ، قم.

15.رهنمايي حسين، الکتاب المدرسي للبهائية، 1395، طهران: انتشارات كوي. 

16.سبحاني جعفر، المنشور الجاويد، الجلد الثالث، 1390 شمسي، قم: مؤسسة الامام الصادق عليه‌السلام. 

17.شاهرودي احمد، دليل الدين، 1343، مطبعة الحيدري. 

18.شوقي رباني، قرن بديع، 149 بديع- 1992 ميلادي، کانادا: مؤسسة معارف البهائية باللغة الفارسية. 

19.شوقي رباني – اشراق خاوري عبدالحميد، تلخيص تاريخ النبيل. 

20.صدر سيد محمدباقر، دروس في علم الاصول، 1406 قمري-1986 الميلادي، بيروت: دارالکتاب اللبناني. 

21.عبدالبهاء عباس‌ افندي، الخطابات الكبيرة، فرج‌الله زکي، مصر 1340ق. 

22.عبدالبهاء عباس‌افندي، المفاوضات، 1908، هلند: مطبعة بريل. 

23.غروي اصفهاني محمدحسين، نهاية الدراية في شرح‌الکفاية، 1374 الشمسي، قم، مطبعة امير. 

24.فخار نوغاني وحيده- حسيني شاهرودي سيدمرتضي، الدراسة ونقد الدلالة العقلية للمعجزات علي صدق ادعاء النبوة. 1396، فصلية علمية محكمة، مجلة البحوث: “الكلام”، السنة الرابعة، العدد السادس. 

25.کريمي مصطفي، مجال دلالة المعجزة، 1377، شهریة المعرفة، الرقم: 26

26.كلپايكاني ابوالفضل، الفرائد، 2001 الميلادي، هوفمايم آلمان: المؤسسة الوطنية لمطبوعات امري. 

27.كلپايكاني ابوالفضل – كلپايكاني مهدي، کشف‌الغطاء، 1919، تاشکند 

28.كهرريز هوشنگ، حروف الحي، 1993، الهندي، موسسة الطباعة و انتشارات مرآت. 

29.مجلسي محمدباقر، بحارالانوار، 1403، بيروت: دار احياء التراث العربي. 

30.هاديان مهدي، قضية المشروعية، 1392، طهران: انتشارات كوي. 

31.محمدحسيني نصرة‌الله، حضرة الباب، 152 البديع-1995 الميلادي، کانادا: مؤسسة معارف للبهائي. 

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق

4 × 2 =