نشكر الله المنّان مرة أخرى ، أنْ جعلنا نسير على الطريق الصحيح في المعتقدات الشيعية والتعاليم الإلهية. وإنّ النظر اليوم إلى العالم المضطرب الملىء بالاعتقادات والأفكار المرتبطة بالله أو غيره، وفی خضم هذه المواجهات بين الأفكار المختلفة، نتطرق بفكرنا الصحيح للحديث عن إحدى هذه الاعتقادات التي خرجت عن المسار الصحيح للإسلام، وسنحاول نقدها بطريقة علمية سليمة.
إنّْ موضوع بحثنا ونقدنا في هذا المقال هو موضوع “البهائية”، لكن لماذا البهائية؟ ذلك؛ لأن البعض يعتقد أن البهائية فرقة صغيرة، ولا تحتاج أنْ نولي لها الاهتمام والنقد الذي تستحقه.
أو ربما نتساءل هنا ونقول: ألا يوجد أولويات أكثر حساسية للحدود الفكرية والثقافية والدينية؟ وهل يمكن لمثل هذه الاعتقادات أن تغذي الأخطار الاعتقادية والاضطرابات الفكرية والمشاكل الاجتماعية، وفي نهاية الأمر هل يمكن لها أن توجد المشاكل في المجتمع؟ ألا يوجد أخطار أخرى تشبه الترويج الذي تقوم به المعتقدات التكفيرية الوهابية أو البعثات التبشيرية المسيحية، وهذا ما يجعلنا نولي اهتمامنا بها ونقدها بطريقة تستحقها؟
إن مثل هذه الأسئلة، بل العشرات منها يمكن أن تدغدغ أذهان القراء في المجلة الفصلية “الدراسات البهائية” مع أن هناك الكثير من الأخطار المهمة بالنسبة لنا والتي تجعلنا نقف عندها، إلا أنه في هذا المجال الضيق من الضروري التطرق إلى البهائية والأهمية الاستراتيجية لها في إطار الحملة الثقافية والفكرية التي بدأت بها، وعلينا دراستها والاهتمام بها وتوضيح أفكارها.
إذا كان هذا النوع من الخطابات العلمية والمنطقية يفيض بالأدب والأخلاق، فمن المرجح أنه يتناول فسحة صغيرة من النمو الفكري الخاطىء الذي يشوبه بعض الأخطاء والمغالطات.
1-يمكن للبهائية أن تكون أنموذجاً تاريخياً للأفكار والانتقادات التي قامت على الإسلام والتشيع. فبعض الشبهات التي أُسندت إلى الإسلام على مدار التاريخ الإسلامي والتشيع، كان عن طريق المغرضين والحاقدين لهما، وبشكل قالب جديد وألفاظ – تبدو أنها جميلة في نظر الكثيرين- قام البهائيون بالحديث عنها وإشاعتها بين المسلمين. ومن يقرأ في كتب “أبو الفضل كلبايكاني”، وفاضل المازندراني، وإشراق خاوري، وغيرهم من المبشرين البهائين، سيجد مثل هذه الأفكار تملأ الكتب وتفيض بها.إن الأخطاء التي يتداولها البهائيون في كتبهم تختلف عن الكتب التي نشأت منها والتي وضعها ميرزا حسين علي نوري ككتاب “إيقان” والجمل والكلمات الأولى للسيد باب – التي تتمتع بمستوى أقل من الناحية الأدبية. وإن الجواب على الاختلاف في أفكار هؤلاء المبشرين، ما هو إلا دفاع عن الإسلام والتشيع، أمام هذا الانحراف الذي يروج له البهائيون في الدين.
2-البهائية اعتقاد تنظيمي، يعتمد في أساسه على زيادة عدد أتباعه ومناصريه، والدعوة المستمرة له، وسعى هؤلاء من خلال زيادة عدد أتباعهم إلى إنشاء دين إلهي والترويج له. ومن هنا فقد اعتمد البهائيون في حملاتهم التبشيرية على الإسلام ومذهب التشيع كغطاء لهم، لاستقطاب حماية الشيعة والمسلمين ولاسيما في إيران في الهدف الذي يسعون إليه. ولابد من التذكير هنا أن البهائية قد روّجت لدينها على أنه دين إيراني وأكثر أعضائه المؤثرين من إيران. فقد كان للإيرانيين دور بارز ومهم في التنظيمات البهائية على مدار تاريخهم. كما أن هناك ثلاثة أشخاص أصلاء من أصل تسعة أعضاء في بيت العدل الإيراني، كما يعتبر الإيرانيون من الأعضاء الأصلاء في التنظيمات الدولية. لذلك فقد كان البهائيون يسعون إلى هدفهم في إيران وبين الإيرانيين، وقد استفادت الكثير من الوسائل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية – على مدار 150 سنة- من الترويج لها في إيران. إنّ عدم الإجابة الثقافية والعلمية التي تتمحور حول الأفكار والعقائد الاجتماعية البهائية، سيؤدي إلى التضليل الفكري لبعض دعاة المسلمين، وبالتالي سينحرفون عن الاعتقادات الإسلامية الأصيلة والانجذاب إلى الأفكار البهائية ومسايرتها. إن المساعي الفكرية ليست غافلة عن النتائج السياسية والاجتماعية والأمنية التي تروّج لها البهائية ونشاطات تنظيماتها في إيران.
3-حاولت البهائية طوال السنوات الماضية أن تطرح اعتقاداتها على شكل قالب دين إلهي. ويرى البهائيون وأتباعهم أن كل قرار يصدر عن التنظيمات البهائية وبشكل خاص بيت العدل – الذي اتخذ من اسرائيل مركزاً له – هو بمثابة الحكم الإلهي الذي لايشوبه أي خلل أو خطأ. وتعمل هذه التنظيمات على جمع المال من أتباعها، للدعوة للدين البهائي في العالم. ويدفع أتباع البهائية المال دون أن يسألوا أي مؤسسة أو منظمة تتبع لهم أين وكيف يتم صرف المال؟ وبالإضافة إلى هذا كله، ومع زيادة وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، نجد أتباع البهائية وتنظيماتها يعملون للترويج لدينهم ومهاجمة باقي الأديان الصحيحة الأخرى. طبعاً يقوم هؤلاء بالدعاية للبهائية عن طريق تلك الأموال التي يجمعونها من أتباعهم، لتحقيق أهدافهم ومطامعهم المختلفة. وفي هذا المجال يجب القيام بالنشاطات العلمية والثقافية المرتكزة على التحقيق والبحث، والإجابة على هذه النشاطات والدعايات التي تروج لها البهائية وتنظيماتها. ولا يمكن الإجابة على اعتقدات البهائية دون أن ترتكز الدراسات على المجال العلمي والبحثي.
4-في السنوات الأخيرة، تعمل البهائية على نقد اعتقادتها وأفكارها من خلال الإتيان ببعض الأعذار التي تتحدث عن حقوقهم المسلوبة، وبدل الإجابة عن الانتقادات الموجهة لها، تطرح في المجتمع قضية “إثبات حقها في المجتمع” وقضية ” حقوق البشر”. أُغلق الطريق أمام التنظيمات البهائية للترويج لاعتقاداتها في إيران، وبدل أن تقوم بالدعوة لها – ومن الممكن أن يواجه بردة فعل طبيعية من المسلمين الإيرانيين- وإظهار الظلم الذي تتعرض له وتوضيح ذلك لأتباعها، نراها تتملص وتهرب من مواجهة المفكرين التاريخيين والاجتماعيين والباحثين في أمور الدين. لابد للجميع من معرفة هذه الاعتقادات الخطيرة والابتعاد عنها. إنّ مجال “الدراسات البهائية” هو العودة إلى الخطاب الأصلي، يعني معرفة الاعتقادات ومقارنتها مع التطبيق العملي لها، وإثبات أحقية القيادة والألوهية عن طريق الأتباع. وكل نوع من أنواع الحديث قبل توضيح البحث الأصلي، ما هو إلا لعب ولهو، فالتنظيمات البهائية كانت تنتظر أن يروج لمعتقاداتها عن طريق الامكانات المتوفرة اليوم من وسائل التواصل في العالم. وللاهتمام بهذا الموضوع والأفكار التي أُشير إليها لابد من افتتاح مجلة فصلية تخصصية تُعنى بقضايا النقد ودراسة البهائية في العالم الثقافي في البلد. ولا يجب أن ينحصر عمل هذه المجلة الفصلية بمحور خاص ومجال محدد، لذلك لابد أن تتطرق إلى القضايا التاريخية والاجتماعية، بالإضافة إلى القضايا الكلامية والاعتقادية. كما أنه يجب أن يُنشر في كل عدد من أعداد المجلة كلاماً وحواراً مع أحد أصحاب النظر للتطرق إلى هذا المجال وتوضيحه. وبعون من الله ومدده لم تغفل مجلة “الدراسات البهائية” الحديث عما تقوم به البهائية والتطورات في العالم، وتسعى هذه المجلة أن تتطرق إلى القضايا الجديدة لدى البهائية ودراستها ونقدها. ودون أدنى شك فإن السير في هذا الطريق البحثي الذي بدأنا به، لم يكن يُكتب له النجاح لولا التعاون والمساعدة التي تمت بين محبي وهواة هذا المجال. لذلك نفتح أذرعنا أمام الجميع من باحثين ونقاد لمساعدتنا في هذا المجال الذي شرعنا به، ونحن على استعداد لاستقبال نصائحكم وأبحاثكم ومقالاتكم حيال هذا الموضوع. ومع مرور الوقت، فمن المقرر أن نعرض في كل عدد من أعداد المجلة بعض المواضيع القصيرة المتعلقة بالاعتقادات الإسلامية و الشيعية الأصيلة وإظهارها لقراء البهائية. وفي إصدار العدد الأول من هذه المجلة في شهر ذي القعدة، نهدي هذا العدد للإمام النوراني الطاهر علي بن موسى الرضا، كما نقدم هذا العدد أيضاً لقرائنا الأعزاء.