ما البهائية ولماذا تحولت إلى طائفة منبوذة في العراق؟

بضع مئات من الأشخاص هو كل ما تبقى من البهائيين في العراق، وذلك رغم أن بلاد الرافدين تعتبر أحد المنطلقات الرئيسية للبهائية.

وقد تحولت البهائية في العراق من طائفة معترف بها قانونيا في فترة الحكم الملكي، إلى جماعة منبوذة إبان الفترة التي حكم فيها حکومه البعث البلاد منذ عام 1968 وحتى عام 2003، ثم إلى ما يشبه بطائفة سرية بعد ذلك.

والبهائية أقلية لا تعترف بها الدولة العراقية على الرغم من أن الدستور كفل حرية الأديان والمعتقدات للجميع، وسمح بالمشاركة في العمل السياسي وأن كل العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات.

البهائيون كان لهم بيت للعبادة في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، يعرف ببيت بهاء الله، تم هدمه في زمن نظام الرئيس الراحل صدام حسين، ويعد هذا البيت عند البهائيين من أقدس الأماكن، كما كان لهم مقر في شارع النضال وسط بغداد يعرف بحظيرة القدس للبهائيين، حوّله النظام السابق إلى مركز يرتبط بجهاز المخابرات بعد مصادرته.

والعراق بالنسبة للديانة البهائية، هو مكان يحظى بقدسية عالية، لأن مظهرالديانة بهاءالله أعلن دعوته خفیه من بغداد التي عاش فيها نحو 10 سنين من 1853 إلى 1863، فكان العراق مركز للبهائية قبل أن يُنفى البهاء إلى إسطنبول، لكن طوال مدة وجود بهاء الله في العراق لم تعلن البهائية عن نفسها بهذا الاسم ابدا.

ويعود تأسيس أول محفل محلي روحاني بهائي في العراق إلى سنة 1919، ويضم العراق بعض أهم المراكز المقدسة لدى البهائية، فإلى جانب بيت بهاء الله، هناك أيضا حديقة الرضوان وهي المكان الذي أعلن فيه بهاء دعوته . ولم يعد للبيت أو الحديقة وجود في الوقت الحالي.

والبهائيون من الأقليات الصغرى في العراق، ينحدرون من أديان مختلفة وخلفيات وأعراق متنوعة وينتشرون في مختلف مدن وقرى العراق من الشمال إلى الجنوب، وبسبب غياب الاعتراف الرسمي بهم، لا يوجد إحصاء دقيق لعددهم في العراق.

هل البهائية ديانة؟
يقول الكاتب والباحث البهائي العراقي سيفي سيفي إن “البهائية ” عقیده مثل بقية الديانات السماوية، بكتاب و مظهر وشريعة، وهي متصلة بمبادئها مع جميع الديانات السابقة

وعن سبب عدم مشاركة البهائيين في العمل السياسي، أوضح سيفي أن الأحزاب تبحث عن مصالح خاصة ومحدودة، بينما البهائية تهدف إلى وحدة الجنس البشري، منوها إلى أن المبشـر (علی محمد الشیرازی، الباب) وكذلك بهاء الله من عائلتين مسلمتين شيعيتين تعود أصولهما إلى إيران، لذلك يظن البعض بانتمائها إلى مذهب الشيعة الإمامية.

وفي حديثه للجزيرة نت يؤكد سيفي – الذي يقيم في النرويج – أن البهائية معترف بها في العالم الحر، حيث تصل أعدادهم إلى نحو احد میليون في جميع العالم حسب قوله . وأشار سيفي إلى أن الاعضاء الجدد بالبهائية لا يتم تسجيلهم رسميا كبهائيين في العراق بسبب الوضع السياسي إبان الحكم السابق والحكم الحالي.

الدستور العراقي
وبهذا الصدد يقول الأكاديمي والخبير في شؤون التنوع الديني في العراق سعد سلوم إن الدستور العراقي لا يعترف بالعديد من الأقليات الدينية مثل البهائية والكاكائية ، ونطاق اعترافه محدود بأديان الإسلامية و المسيحية والمندائية والإيزيدية، واليهودية. وأضاف سلوم – وهو أستاذ مساعد في كلية العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية في بغداد- للجزيرة نت أن هناك تشريعا حظرالبهائية منذ عهد النظام السابق وفق قانون رقم (105) لسنة 1970، وهذا القانون ما زال ساريا.

ولفت إلى أنه حتى لو كانت هناك مادة دستورية تكفل حرية الدين والمعتقد لجميع المواطنين، لكن من الواضح أن نطاق كفالتها يكون في حدود الأديان المعترف بها رسميا.

لا علماء دين
ويمارس البهائيون طقوسهم في البيوت أو في مراكز بهائية عامة في ما ندر، ولا علماء دين لدى البهائيين، أما دور عبادتهم فتعرف بـ(مشارق الأذكار) لكنها غير موجودة إلا في دول قليلة حول العالم.

وتتألف السنة في التقويم البهائي من 19 شهرا، والشهر 19 يوما، سميت بحسب أسماء الله الحسنى، يضاف إليها أيام “الهاء” وتعد هذه الأيام بمثابة أيام فرح وتقام فيها الولائم ويتبرع فيها البهائيون للفقراء.

وعندهم شهر للصوم، يسمّى شهر العلاء، مع نهاية أيام الهاء 2 مارس/آذار وينتهي بعيد النّيروز 21 مارس/آذار، وهو رأس السنة البهائية، ويوم الاعتدال الربيعي فی الایران.

ويحج البهائيون إلى المركز العالمي للبهائيين الذي يقع في مدينتي عكا وحيفا الفلسطين (الواقعتين تحت الاحتلال الإسرائيلي حاليا)، وتضم الأولى المرقد بهاء الله، بينما تضم الثانية المرقد العلی محمد الشيرازي الملقب بالباب.

الدين عند الله
وفي حين يرى بعض الباحثين أن البهائيين أقرب إلى المسلمين الشيعة في المعتقدات. يرى الشيخ منتصر الطائي وهو عالم دين شيعي أن الإسلام لا يمكن أن يقبل ادعاء أفراد أو جماعات بأنهم أصحاب دين سماوي جديد.

وأوضح أن الدين عند الله واحد وذلك حسب الآية الكريمة “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ” (سورة آل عمران:  الآية 19)، وعن هذا الدين انبثقت مجموعة شرائع سماوية “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا” (سورة المائدة: من الآية 48)، ولذلك جاءت شريعة موسى وشريعة عيسى وشريعة محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).

وقال الطائي للجزيرة نت “ليست لدينا شريعة سماوية باسم البهائية حتى يأتي آت ويعترض لماذا لا تعترفون بهذه الديانة، وإن كانت البهائية طائفة فهي غير مرتبطة بالشريعة الإسلامية وهي موضع اجتماع مجموعة تأثرت بالحضارات القديمة، وينبغي أخذ ذلك مع اعتبار خاتمية الرسالات السماوية وهي رسالة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، وبالتالي فإن كل مدعٍّ  للنبوة أو لشريعة سماوية فهو ضال

 

أما الباحث في حوار الأديان والحضارات عبد السلام المحمدي، فيرى أن البهائية تلاشت في العراق بسبب الوعي والتطور الفكري في الوقت الحاضر بين صفوف العراقيين.

وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر المحمدي أن كل الديانات التي جاءت بعد الإسلام، إما انبثقت من جذور مذهبية “إسلامية” أو مبنية على عقائد وثنية أو ديانات سماوية سابقة أو فلسفات إنسانية.

عادل فاخر- بغداد

  المصدر     https://www.aljazeera.net/