نظام الشرعية عند البهائية(1)

244

أ – شرعية الباب

 

مقدمة

 

يعتقد الشيعة ان الله تبارك وتعالى ومنذ بدء الخليقة وضع طريقا لهداية البشرية، وبعث النبيين والحجج الالهية الي الناس ليبيَن لهم دائما طريق السعادة والفلاح.

 

وهذه القضية قابلة للاثبات بالأدلة العقلية والنقلية الكثيرة، ولعل من ابرز الادلة العقلية على ذلك هو قبح العقاب قبل بيان الحجة، أي ان الله تعالى عندما يبعث جميع البشر يوم القيامة ويحاسبهم بشكل عادل فيثيب المحسنين ويعاقب المسيئين، لابد ان يبين لهم قبل ذلك الجادة السويَة من الطريق المعوج ويعرّفُهم بالاعمال الصالحة التي تؤدي الي رضاه، والاعمال الطالحة التي ينبغي أن يجتنبوها.

 

وبدون ذلك يحق للمذنبين ان يحتجوا يوم القيامة على تحميلهم المسؤولية ويقولون ان طريق الهداية لو كان أُبلغ اليهم لاتبعوه، ومن هنا فان العدالة الالهية وحتمية يوم القيامة تقتضيان بيان وتيسير طريق الحقيقة والهداية للناس ليتم على ضوئها محاسبتهم على اعمالهم فی یوم القيامة.

 

أما الادلة النقلية فهي كثيرة ايضا وتتمثل بارسال الانبياء والرسل والحجج الالهية، وحفظ الدين الالهي من التحريف أو النقصان أو الزيادة، ووجود شخص كواسطة للفيض بين الخالق ومخلوقاته، وان الله تعالی قد هيأ له الأمان والاستقرار في الارض (2) وهو يمثل نموذجا للعابد الحقیقی الذی يعبد الله حق عبادته من بين عباد الله (3).

 

 

 

خصائص حجج الله:

 

حجة الله الذي يقوم بالمهمة المذكورة لابد أن يتصف بصفات خاصة یجب قبولها في حال تسليمنا بضرورة وجود حجة الهية في كل زمان. وهذه الخصائص والصفات هي:

 

1-    العلم اللّدُنّي الذي يمنحه الله لحجته

 

2-    العصمة من الذنوب

 

3-    المعجزة والبيّنة

 

4-    التحدث بلسان القوم

 

نظام القيادة عند الشيخيّة:

 

يختلف الشيعة الشيخية وهم أتباع احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي عن سائر الشيعة في موضوع شرعية القيادة، فهؤلاء يعتقدون بنبوة النبي محمد (ص) واوصيائه الأئمة الاثني عشر كحجج الله، ويعتقدون بوجوب اتّباعهم، لكنهم يعتقدون بضرورة وجود وسيط أی رابط بين الامام والأمة في زمن الغيبة الكبرى للامام الثاني عشر، کما يعتقدون ان معرفة هذا الوسيط بین الامام والامّه من ضرورات الدين ويعدونها الركن الرابع من الايمان. اذن فالشيخيَة يعتقدون على الدوام بوجود شخص يَبلغ عن طريق تهذيب النفس وكسب العلوم مقاما بارزا، بحيث يراه الناس انه هو الوسيط بينهم وبين الامام الغائب.

 

ولايعتقد الشيخية ان كسب هذا المقام يأتي بالطرق الصوفيَة بل يمكن الوصول اليه بشكل موضوعي من قبل الشخص الذي يناله، إذن فانهم يعتقدون بالطاعة العمياء لهذا الوسيط، لانه يحظى بتأييد إمام العصر حسب تصورهم وان الامام على اتصال مباشر معه ويبين بواسطته طريق الهداية للامة.

 

 

 

نظام القيادة في الديانة البهائية:

 

عندما نريد التعرف الدقيق على نظام القيادة والشرعية لدى البهائية يواجهنا الكثير من الغموض والضبابيَة، فكلام زعماء البهائية عن دورهم ومنزلتهم وميزان وجوب الطاعة لهم يتضمن مبهمات وتناقضات عديدة. ونحن هنا نستعرض اولا ما تتبناه الاوساط البهائية بشكل رسمي ثم نتناوله بالنقد والتحقيق. يقول البهائيون:

 

1- الميرزا علي محمد الشيرازي الموسوم بالسيد الباب (1235- 1266 هجرية) هو الامام الثاني عشر وآخر الاوصياء لنبي الاسلام (ص) وقد اعلن الباب هذه المزاعم لاول مرة سنة 1260 هجرية.

 

2- ان العصر الاسلامي انتهى بظهور الباب واصبح الدين الاسلامي منسوخا، فالباب اضافة الي شأنية الوصاية، يمتلك ايضا شأنية النبَوة، وانه قد جاء بكتاب لهداية البشرية اسمه (البيان).

 

3- بشّر الباب بظهور شخص من بعده أسماه (من يُظهره الله)، وحدد فترة ظهوره مابين  1511 – 2001 بعد موته.

 

4- أصدر أمير كبير (صدر ايران الاعظم في عهد ناصر الدين شاه) أمرا بإعدام الباب عام 1266. وأما (من يُظهره الله) الذي كان من مُريدي الباب فهو شخص يُدعى ميرزا حُسين علي النوري (1233- 1309). فقد أحاط حسین علي بحقائق عالم الوجود واصبح نبيّاً في السجن عام 1269 أي بعد ثلاث سنوات من إعدام الباب، وفي عام 1280 أعلن لمريديه انه بلغ هذا المقام أي بعد أحد عشر عاما.

 

5-  اطلق البهائيون لقب (بهاء الله) على الميرزا حسين، وقام بهاء الله بعد ذلک بتدوين كتاب اسمه (الاقدس) جاء بدين جديد الي البشر، وألزم البهائية باتّباع تعاليمه.

 

6-  وبعد وفاة بهاء الله خلّفه ابنه الاكبر وإسمه “عباس افندي” الملقب بعبد البهاء (1260- 1340)، وقد وضع عبد البهاء عدة كتب في إكمال وشرح التعاليم التي وردت في كتاب أبيه.

 

7-  وقد اوصى عبد البهاء في كتاب (ألواح الوصايا) أتباعه بالرجوع من بعده الي شخص يدعى شوقي أفندي، وقد اطلق البهائيون على شوقي افندي عدة القاب من بينها (ولي أمر الله) و(ولي الأمر).

 

8- قام شوقي أفندي خلال مدة زعامته للبهائية بتدوين تاريخ هذه الديانة وعقائدها وقام بمحاولات كثيرة لكسب الاعتراف الرسمي بالبهائية في مختلف دول العالم.

 

9-  وفي برامجه وخططه المكتوبة وضع شوقي افندي مقدمات تشكيل مؤسسة تحت اسم (بيت العدل) وهي مؤسسة اقترحها عبد البهاء في كتاب (الالواح والوصايا).

 

10-  وعندما مات شوقي افندي لم يكن له ولد ولم يُعيّن وريثا له، لكن (مجلس بيت العدل) الذي تَشكّل بعد ثلاث سنوات من وفاته عهَد بقيادة البهائية الي مجموعة أطلق عليها اسم (أيادي أمر الله).

 

11- وبعد تشكيل (مجلس بيت العدل) اصبح هذا المجلس كيانا مقدساً لدى البهائيين، بحيث يعتقدون انه عندما يعقد جلسته ينزل عليه الالهام من روح القدس ويُمنح العصمة عن كل خطأ.

 

12- يتولى بيت العدل مسؤولية شرح القوانين الموجودة في كتب الزعماء الاربعة السابقين للبهائية، كما يقوم بتشريع القوانين عند الحاجة ورسم طريق الهداية للبهائيين الذين عليهم الطاعة المطلقة لقرارات وأوامر بيت العدل.

 

13- يعتقد البهائيون بوجود صفات خاصة عند زعمائهم كالعصمة والالهام من فيض روح القدس وعدم ارتكاب أي خطأ.

 

14- لايعتقد البهائيون بوجود القدرة المستمدة من الله لدى الحجج الالهية ولابصدور المعجزة منهم، كما لايعتقدون بوجود المعجزات لدى قادتهم، وبدلا من ذلك يعتقدون ان دليل التقرير هو الطريق لمعرفة نبي ما.

 

 

 

هل يمكن للباب ان يكون حجة الهيَة والامام الثاني عشر للشيعة ؟

 

إن أي شيعي لايمكن ان يقبل بمحمد علی الباب بعنوان الامام الثاني عشر، لأن هذا الرجل لايمتلك صفات حجج الله، هذا اولا، وثانيا يعتقد الشيعة أن الامام الثاني عشر امام موعود يتمتع بصفات خاصة، وانه سيظهر ليملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، في حين ان هذا الامر لم يتحقق في ظل الباب.

 

وقد يكون من المناسب هنا مناقشة مزاعم الباب ومواصفاته الاربعة، وبغض النظر عن أن الباب لم يستطع القيام بالمهمة الاساسية للمهدي الموعود، سنناقش من وجهة نظر الشيعة، مسألة هل يستطيع شخص ما ان يكون حجة الله على الارض من خلال صفاته وسلوكياته الصادرة عنه؟

 

الباب والعلم اللدُنّي الالهي:

 

إن الباب لايتحلّى مطلقا بصفة العلم الالهي وهذا واضح جدا من خلال كتبه، كما ان علمه ليس علما لدُنيّا أو الهاميا لانه خريج الفكر الشيخي. وإن أي باحث منصف عندما يرى التعلیمات الفارغة التافهة في اقوال وكتابات الباب لابدّ أن يتسائل: هل أن الله ليس لديه أفضل من هذه التعاليم حتى يرسلها بواسطة الباب لهداية البشر؟ أم ان هذه التعاليم والاوامر هي من صنع الباب ولاعلاقة لها برب العالمین؟ واليكم فيما يلي نماذج من تعاليم الباب:

 

   لاتركبوا البقرة ولاتحملوا عليها شيئا. لاتشربوا حليب الحمير. لاتركبوا حيوانا قبل أن تضعوا له اللجام. لاتكسروا البيضة قبل طبخها فيضيع محتواها. (4)

 

   يجب على المؤمنين الاعتقاد الكامل بالطلاسم والثقة المطلقة بها، ومن أجل ابراز هذه الثقة يجب على كل شخص ان يحمل دائما حرزا أو تميمة على شكل نجمة أو هيكل يتضمن بعض الاسماء الالهيَة، وعلى المؤمنات أن يحملن حرزا آخر على شكل دائرة مكتوب فيها اسماء الله الاخرى. (5)

 

يجب أن تصادروا املاك كل من يمتنع عن الدخول في البيان (دين البهائية) وفي حال ايمانه تعاد اليه ممتلكاته، وهذا الأمر يجب أن يطبَق في كل مكان ماعدا الاماكن التي لايستطيعون فيها تطبيقه. (6)

 

تحصيل العلوم كالاصول والمنطق حرام علی الجمیع (7) ويجب احراق جميع الكتب ماعدا الكتب التي دوّنها الباب والكتب التي تُثبت ديانتَه. (8)

 

جلسة التوبة وجهل الباب:

 

عندما نتصفح سيرة الباب في كتب التاريخ نجد في جوانب منها انه عجز عن الاجابة على الاسئلة التي وجّهها اليه العلماء المعاصرون له ولم يكن يمتلك العلم الذي يؤهله للاجابة على تلك الاسئلة. فعلى سبيل المثال نستعرض جلسة محاكمة الباب التي اقيمت بحضور ناصر الدين ميرزا ولي عهد محمد شاه القاجاري الذي تربّع فيما بعد على عرش ايران واصبح یعرف باسم ناصر الدين شاه. وهنا نتناول جانبا من هذه المحاكمة حسبما جاء في كتاب كشف الغطاء لأبي الفضل الكلبايكاني وابن أخته مهدي الكلبايكانی.

 

کتب ناصر الدين ميرزا تقريرا الي أبيه محمد شاه عن محاكمة الباب جاء فيه: بعد ذلك تقدم الحاج ملا محمود وسأل الباب: ورد في الحديث أن المأمون العباسي سأل الامام الرضا عليه السلام، ما هو الدليل على خلافة جدكم علی بن ابی طالب؟ فقال الامام: آية انفسنا، قال المأمون: لولا نسائنا؟ فقال الامام: لولا أبنائنا؟ فما معنى هذا الحوار؟ فبقي الباب صامتا مطرقا ولم يجب على سؤال الملا محمود (9) وبعد ذلك وُجهت اليه أسئلة أخری في الفقه وسائر العلوم فلم يُجب حتى على المسائل البديهية في الفقه كالشك والسهو وبقي مطرقا لايتكلم. (10) فلو كان الباب حقّا حجة الهية وانه مكلف بمهمة من الله لأجاب على اسئلة علماء عصره ليثبت لهم انه ملهم بالعلوم الالهية وليس جاهلا الي هذا الحد. واللافت ان كبار البهائيين مثل الكلبايكاني أقروا بما دار في جلسة المحاكمة ونقلوها في كتبهم.

 

 الباب والتأثر بآراء الشيخية:

 

النقطة الاخرى التي تؤخذ على الباب هي انه التقط افكاره وتعاليمه من كتب الاخرين خاصة زعيمي الشيخية الشيخ أحمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي ولم يكن على الاطلاق مُلهما من الله، وان علمه هو علم اكتسابي كبقية الناس، فهو تعلم في الكتاتيب والمدارس. ومع ان الأميّة ليست صفة ملازمة لحجج الله، وان اكتساب العلم وقع لبعض الحجج الالهية، لكن التطرق الي موضوع ما اذا كان الباب أميا أو انه تعلم في مدارس الشيخية يكتسب اهمية خاصة لسببين: الاول هو اننا وبعد البحث في كتب وتعاليم الباب ومقارنتها بتعاليم الاحسائي والرشتي سنجد ان الباب ليس فقط لم يأت بجديد بل انه لم يدرك ولم يفهم آراء هذين الشخصين بشكل كامل واضاف اليها من عندياته، وبالتالی قدم لاتباعه تعاليم جديدة هي مزيج من افكار الشيخية وما أضاف اليها من أوهامه وخياله. والثاني هو ان الباب وبعض مريديه واتباعه يؤكدون بشدة على انه أمي، ويصرون على الايحاء بأن الباب قبلَ دعوته لم یتلمذ عند أحد وان تعاليمه أنزلت عليه من الله، وهذا ما يزعمه الباب نفسه حيث يؤكد انه كان أميا صرفا وانه لم يأخذ علومه من شخص آخر.(11) كما يقول عبد البهاء في هذا المجال: ان النورانيّة هي في ذات المظاهر المقدسة ولايمكن أن يقتبسوها من الغير، وعلى الآخرين ان يكتبسوا العلوم ويقتبسوا الانوار منهم، وهكذا هي جميع المظاهر الالهيَة، فحضرات ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد والباب وبهاء الله، لم يتعلموا في أي مدرسة. (12)

 

من جانب آخر فان هناك وثائق وأدلة كثيرة على أن الباب تعلّم بطريقة عادية مثل بقية الناس، ونعرض هنا نموذجين لهذه الادلة كلاهما من كتابات زعماء ومؤرخي البهائية عن سيرة الباب:

 

النموذج الاول يتعلق بالتحصيل الدراسي للباب في مرحلة الطفولة في مدينة شيراز، جاء في كتاب تلخيص التاريخ لنبيل زرندي ان حضرة الباب وبعد وفاة أبيه تربى في كنف خاله جناب الحاج ميرزا سيد علي وهو أحد شهداء الامر. وقد اوكله خاله الي الشيخ عابد لتعليمه، ورغم ان الباب لم يكن راغبا في الدراسة لكنه نزل عند رغبة خاله وذهب الي مكتب الشيخ عابد وهو رجل زاهد جليل ومن تلاميذ الشيخ أحمد والسيد كاظم الرشتي. (13) والنموذج الثاني يتعلق بالمرحلة الدراسية للباب في كربلاء عند السيد كاظم الرشتي، حيث يقول فاضل المازندراني في تاريخ ظهور الحق نقلا عن شهميرزادي: ان الملا زين العابدين شهميرزادي كان من تلامذة السيد الرشتي وبعد وفاة السيد عاد الي وطنه، وعندما كان الناس يسألونه عن الباب كان يقول: نعم ان هذا الرجل اسمه ميرزا علي محمد الشيرازي، وقد جاء الي كربلاء قبل عدة سنوات من وفاة السيد كاظم الرشتي وبقي فيها ستة أشهر، وعمره لم يتجاوز العشرين، وكان يحضر دروس السيد في بعض الاحيان، وان دراسته العلمية لم يتجاوز كتاب السيوطي والحاشية. (14) والنقطة العلمية المهمة التي تبرز في هذين الدليلين ان الباب ومنذ الطفولة حتى عدة أشهر قبل ادعائه البابيّة تلقى الدروس عند الشيخ عابد في مكتب قهوة الاولياء في شيراز، وفي اوج شبابه قصد زعيم الشيخية السيد كاظم الرشتي والتقى به ودرس عنده، ومن هنا لم يكن مستغربا أن تترك الافكار الشيخية آثارها بوضوح في مؤلفات وتعاليم الباب، والمعروف ان الباب نفسه قد اشار في أكثر من مكان الي انه تتلمذ على يد السید الرشتي. وعلى سبيل المثال فقد أشار الباب في إحدى رسائله الي أحد معلَميه بالقول (وما رأيت من آيات معلَمي )، وفي توضيح ذلك يقول فاضل المازندراني في كتاب اسرار الاثار في ذيل هذه العبارة (المراد من المعلم هنا هو السيد كاظم الرشتي. (15)

 

مقارنة علوم الباب بالقرآن الكريم:

 

بالرغم من كل ماتقدم يصر البهائيون والباب نفسه على انه كان أميا، وذلک للايحاء بان هذه الأميَة  من دلائل حقانيته وارتباطه بالسماء، كما كانت الأمية من دلائل النبوة لدى الرسول محمد (ص). ان القرآن الكريم وهو المعجزة الخالدة لرسول الله (ص) تحدى المشركين في مواضع كثيرة بالمناظرة العلمية، كما دعا المشككين بنزوله من الله أن يأتوا بعشر سور من مثله بل حتى سورة واحدة (16) فلم يتمكنوا. وعلاوة على الاعجاز في الفصاحة والبلاغة، فان القرآن الكريم معجزة ايضا في الهداية والمنطق والبرهان، وبالتالي فان مجئ شخص ما بهذا الكلام العميق والدقيق سيبعث على أن یتسائل المحيطون به: من أين جاء بهذا الكلام؟ لعله تعلمه من آخرين، أو انه دمج علوم وافكار الاخرين بافكاره وأخرج هذا الكلام، لكن القرآن الكريم رد هذه الشبهات بالاستدلال بأمية النبي وعدم تلقيه الدروس من أحد، وأثبت لهم ان هذا القرآن لايمكن الاَ ان يكون وحيا من الله تعالى، وبالتالي اصبحت الاميَة من دلائل النبوة ومن شواهد الاعجاز القرآني. يقول تعالى في كتابه الكريم (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطَه بيمينك إذا لأرتاب المبطلون ) (17)، وفي آية اخرى ينفي هذه الشبهة بشكل اقوى حيث يقول ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلّمُهُ بشر لسان الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (18). وبالنتيجة فان البهائيين مهما أصروا على زعمهم في أن الباب أمي مثل النبي (ص)، فان هذه المزاعم مرفوضة من جانبين، الاول ان تعاليم الباب مليئة بالموارد غير العلميَة بل المتضادة مع بديهيات العلوم البشرية والالهيَة، وبالتالي لايمكن اطلاق اسم المعجزة عليها، بل ان الكثير من الناس جاءوا بتعاليم وافكار افضل بكثير من تعاليم الباب في حين انهم لم يدعَوا النبوة ولم يزعموا انهم حجج الهيَة، ومن هنا فان الباب لايمكنه آن یدعی بأن الاخرين لا یقدرون على الاتيان بمثل ماجاء به. والثاني ان الباب واتباعه اكدوا في مواضيع كثيرة انه درس في مكتب شيراز وحضر دروس السيد كاظم الرشتي في كربلاء، وهذا الاعتراف ينفي أمیته؟

 

 

 

 

 

الباب ومرتبة العصمة:

 

ان العصمة هي أهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها حجة الله، وتشخيص مرتبة العصمة ليس من اختصاص الناس العاديين لان الكثير من الاعمال قلبيَة والله وحده مطلَع عليها، أما تشخيص الخطأ والذنب فهو أمر يسير. وعلى هذا الاساس يمكن تشخيص موارد عديدة في سيرة الباب على انها اخطاء فاحشة، فهو قد خدع مريديه احيانا، و زين لهم الكذب والحيلة لكسب الاخرين الي صفوفهم احيانا أخری، والدليل على ذلك هو ان كلماته وتعاليمه مليئة بمزاعم متناقضة عن منزلته ومقامه وهذا ما يشير الي ان هذه المزاعم أطلقت في فترات مختلفة لخداع مجموعة من الناس. فهو مرة يدعي انه نائب الامام الحجة المنتظر عليه السلام والركن الرابع من الايمان وواسطة الفيض بين الأمام والناس، ومرة اخرى يدعي انه هو المهدي الموعود، فلو فرضنا جدلا انه هو المهدي الموعود، فما ذا يعني انه يدعي في اوقات اخرى انه نائب الامام ؟ انه إما يكذب واما يريد خديعة اتباعه.

 

ولم تتوقف مزاعم وادعاءات الباب عند هذا الحد، بل تعدت ذلك الي ادعاء النبوة وتلقي الوحي، بل انه ذهب الي ابعد من ذلك وادعى الربوبية.(19)، وصاحب هذا الادعاء مشرك قطعا، والشرك ظلم عظيم وذنب لايُغتفر كما جاء في القرآن، وهذا التناقض في اقوال ومدعيات الباب دليل قاطع على انه لايحمل أي رسالة من الله، وبالتالي صار مصداقا لقوله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (21)، فالتناقض من مختصات كلام البشر، وان الباب وقع في هذه التناقضات بسبب ادعائاته المختلفة.

 

الباب ونصوص من سبقه لاثبات حجيَته:

 

ان النصوص الدالة على إمامة الامام الحجة ابن الحسن العسكري عليه السلام كثيرة جدا عند الشيعة بحيث تصل الي حد القطع واليقين، وان من له أدنى اطلاع على موسوعات الحديث الشيعية القديمة يُسلم بهذه النصوص. ويطلق النص على كل كلام أو حدث يصرح أو يلوَح الي الناس بامامة أو وصاية أو نبوة شخص من قبل الحجَة  السابق له، بحيث أن هذا البلاغ أو النص لاينطبق على فرد أو افراد آخرين غير الفرد المقصود. وهنا يمكن القول بشكل مُسلَّم بعدم وجود أي نص بهذا المضمون يُشير الى ان الباب هو الامام الثاني عشر للشيعة، بل الروايات تتصافق عن النبي (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام بامامة نجل الامام الحسن العسكري (ع) بعد أبيه بلا أي انقطاع، وهذا ما يقطع الطريق أمام السيد الباب في ادعاء الامامة وزعامة الشيعة بعد الامام العسكري (ع).

 

الباب والقدرة الالهية والاعجاز:

 

القوة الاعجازية التي تتخطى قدرات البشر هي من العلائم المهمة لحجة الله لانها تدل على ارتباطه بالخالق جلّ وعلا. وهذا ما فعله الباب تقليدا للنبي (ص) حيث وضع آيات من عنده معتبرا انها معاجز. وفي جلسة محاكمة الباب بحضور ولي العهد ناصر الدين ميرزا سُئل الباب إن كان لديه من الايات الدالَة على معجزاته وكراماته فقال: معجزتي هي أنني أُنزل آية في عصاي، ثم أخذ يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم،سبحان الله القدوس السبَوح الذي خلق السماوات والارض كما خلق هذه العصا آية من اياته) والملفت انه قرأ السماوات بالفتح وعندما قيل له انها مجرورة قرأها بالكسر ثم جرَ الارض من بعدها، فقال أمير اصلان خان: اذا كانت هذه الجمل آيات فانني استطيع ايضا أن أصوغ آية، ثم قرأ (الحمد لله الذي خلق العصا كما خلق الصباح والمساء) فخجل الباب خجلا شديدا. (22) وفي هذا الحوار القصير هناك ثلاث نكات مهمة قابلة للتأمل، الاولى هي ان المعجزة التي اوردها الباب لاثبات مزاعمه ليست من سنخ قدرات الناس في عصره، وبالتالي فانه لم يفعل كما فعل الانبياء من الاتيان بمعجزات تتناسب مع امكانات الناس في زمانهم، والثانية ان آيتة التي أتى بها لاثبات معجزته مليئة بالاخطاء اللغوية، بل انه لم يفهم مانبهه اليه الحاضرون وبدل أن يصحح الخطأ وقع في خطأ اكبر، والنكتة الثالثة ان أحد الحاضرين جاء على الفور بجملة على غرار ماجاء به الباب كمعجزة، وهذه الجملة المشابهة كانت خالية من الاخطاء النحوية أي انها اصح من الجملة التي اراد منها الباب ان تكون معجزة. ومن هنا لايمكن بأي حال من الاحوال القبول بهذه الجمل المبعثرة كدليل على أحقية الباب واعجاز مدعياته، لأن الاخرين قادرون على أن يأتوا بمثلها بل بأفضل مما جاء به. کما أن المعجزة يجب ان تكون خالية من الخطأ والشبهة.

 

المعجزة التي طواها النسيان:

 

كان الامير القاجاري حمزة ميرزا واليا على تبريز في أوائل عهد ناصر الدين شاه، وكان يدعو الباب الي مجلسه احيانا لمعرفة حقيقة أمره، خاصة وان الباب في ذلك الوقت قد أدعى القائمية ثم النبوة، وكان يدعي انه صاحب معجزة الهيَة. ومن المستحسن ان نتابع هذه القضية في صفحات التاريخ، وبالتحديد في كتاب الكواكب الدرية لمؤلفه عبدالحسين آيتي:

 

لم يكن أمر الباب خافيا على الامير حمزة ميرزا، ومن هنا قرر احضار الباب عنده في إحدى الليالي، فأعد مجلسا فاخرا زيّنه بالانوار والقوارير، وأحضره ليلاً  من محبسه واستقبله بحفاوة كبيرة بحضور ميرزا محمد علي وميرزا حسين الكاتب (23) وتوجه اليه بالسؤال بكل لطافة، ماهذه الاوضاع التي خلقتها ياسيد؟ فقال الباب انها نفس الاوضاع التي رافقت ظهور جدي رسول الله، وقبله عند ظهور عيسى بن مريم وفي الارهصات التي تسبق كل ظهور حتى يكون الابداع الاول مشهودا في عالم الشهود، وانني لم افعل شيئا ولم ارتكب ذنبا سوى انني عملت بتكليفي ولم أُخف ما أمرني به الحق بل نفذته في الوقت المناسب… وبالنهاية طلب الأمير منه برهانا على مدعياته، فاستدل بالوحي والالهام  كما حدث جلسة المحاكمة بحضور ولي العهد.  ولما كان الامير حمزة ميرزا قد سمع من قبل ان الباب يرتجل كلمات بالفارسية أو العربية في أي موضوع كان بلا تأمل أو رويَة (24) اراد في هذه الجلسة ان يتأكد هل ان كلماته نابعة فعلا من الفطرة والالهام، فطلب منه ان يرتجل كلمة عفوية بعيدة عن التصنع والتكسب في وصف هذا الحفل البهيج والمجلس الفاخر بمافيه من زينة وانوار ومصابيح، فبدأ الباب بتلاوة آياته دون تأمل والكاتب يدون كلماته بسرعة، وكلما تأخر الكاتب في التدوين تريث الباب وكرر العبارات الي أن اكمل خطبته، وهنا طلب منه الامير ان يُعيد ماقاله دون تغيير ليرى ماذا سيحدث، وطلب من الكاتب سيد حسين أن يدون ايضا ماي قوله الباب، فلما انتهى من خطبته وقارنوا  النصين وجدوا ان المضمون واحد لكن الالفاظ والعبارات اختلفت في آيتين، فلما قيل له بذلك الاختلاف اطرق الي الارض ولم يتكلم. (25) ان التأمل في هذه الحادثة يثير تساؤلات كثيرة، فكيف تتغير الايات الالهية بهذه الطريقة في حين انها تأتي كحجة ومعجزة ؟ الا يدل ذلك على ان الباب قد نسي عباراته التي صاغها بنفسه وسقط في الاختبار أمام الامير القاجاري؟ وهل يمكن للباحث عن الحقيقة أن يقبل بأن تتغير الايات الالهية وتتعارض كلماتها بفارق زمني قصير؟ اليس ذلك تلاعبا بالوحي والنبوَة؟

 

الباب والتحدث بلسان القوم:

 

المعروف ان الانبياء والرسل يبلغون رسالات ربهم بلسان القوم الذين يُبعثون اليهم، وأما الباب الذي عاش بين الناطقين بالفارسية، واطلق دعوته في مدينة شيراز فانه لم يدون كل كتبه وتعاليمه باللغة الفارسية، ورغم انه لم يعش في كربلاء الاَ ستة أشهر ولم يُتقن العربية بشكل جيد بدأ بتأليف كتبه باللغة العربية، وهي ملئية بالاخطاء النحوية والركاكة في الصياغة واستعمال الكلمات في غير محلها كما يقول الاخصائيون اللغويون.

 

واول كتاب له بالعربية هو تفسير سورة يوسف وعنوانه (قيَوم الاسماء) وهو الكتاب الذي قرأه اول المؤمنين بالباب فآمنوا به أمثال الملا حسين بشرويي وغيره من الحاءات. ولم يكتف الباب بكتابة هذا التفسير باللغة العربية بل أتبعه بكتب اخرى من بينها (تفسير سورة الكوثر) و(تفسير سورة التوحيد) و(تفسير سورة العصر) والقسم الاول من كتاب (الدلائل السبعة) و(البيان العربي).

 

واضافة الي الاشكالات الاساسية لدى الباب في الصرف والنحو وعدم التزامه بقواعد اللغة العربية فانه لم يكن يعرف مايقابل الكلمات الفارسية أو اللاتينية في اللغة العربية فيضطر الي استخدام نفس الكلمة الفارسية او اللاتينية في كتاباته العربية.

 

ففي كتابه ( البيان العربي )، وفي بيان أهمية تعليم الابناء الخط الجميل يقول الباب (… ولتعلمن خط الشكسته فان ذلك مايحبه الله وجعله باب نفسه للخطوط لعلكم تكتبون) (26).

 

ان التطرق الي مثل هذا الامر في كتاب يدعي أنه موحى من الله مثل القرآن، طُرفة مُرّة تثير العجب، إن (خط شكسته) كلمة فارسية لايمكن تحويلها الى كلمة عربية باضافة الالف واللام اليها وهذا مايعرفه حتى طلاب الثانوية.

 

وفي نفس كتاب (البيان العربي يتحدث الباب عن ضرورة شراء كتبه واقتنائها فيقول: ( ثم العاشر اذا استطعتم كل آثار النقطة تملكون ولو كان چاپا، فان الرزق ينزل على من يملكه مثل الغيث) (27).

 

فهو هنا يحث الناس على امتلاك كتبه المطبوعة ويعتبر امتلاكها سببا لنزول الرزق على مالكها كالمطر، لكن استخدامه كلمة (چاپ) في الجملة العربية دليل علي جهله بما يقابلها باللغة العربية، فالعرب لايستخدمون حرف چ أو پ في كلماتهم، وبالتالي كلمة “چاپ” هي كلمة فارسية اصلها فرنسي وتعني الطباعة.

 

وبالنتيجة يتضح ان الباب وخلافا لما سبقه من الحجج ليس فقط لم يتحدث بلسان قومه، بل انه لم يستخدم اللغة البديلة بشكل صحيح ووقع في اخطاء شنيعة. فهل يمكن تصديق نبوة شخص لايُحسن المبادئ الاساسية للكتابة والتحدث؟

 

الباب يعترف بامامة نجل الامام العسكري:

 

في ليلة الخامس من جُمادى الاولى عام 1260 وبحضور ملا حسين بشرويي اعلن الباب النيابة عن الامام المهدي عليه السلام، كما زعم انه بلغ مقام الركن الرابع للأيمان، ولهذا اختار لنفسه لقب (الباب) والباب في ادبيات الشيخية يعني المدخل أو الواسطة للوصول الي الامام المهدي عليه السلام. كما ان عبد البهاء قد أكد هذا المعنى في كتابه (المقالة الشخصية) حيث يقول:

 

(…بدأ الخطاب واعلن البابية، ويقصد بكلمة البابية انه اصبح واسطة الفيض من شخص كبير مازال يحتجب بحجاب العزة ويمتلك من الكلمات ما لاحصر له، وان الباب يتمسك بولايته ويتحرك بارادته. (28)

 

لقد جاء ادعاء البابية في كتاب تفسير سورة يوسف وهو اول كتاب للباب عرضه على الملا حسين بشرويي في الليلة الاولى لادعائه البابيّة. يقول الباب في هذا الكتاب (الله قد قدر ان يخرج ذلك الكتاب في تفسير احسن القصص من عند محمد ابن الحسن ابن علي ابن محمد…. ابن علي على عبده ليكون حجة الله من عند الذكر علي العالمين بليغا.( 29) أي أن الله قدّر ان يُظهر تفسير احسن القصص من الامام المهدي عليه السلام بواسطة الباب.

 

كما ان الباب وفي عدة مواضع من هذا الكتاب قد تحدث عن الامام الثاني عشر بعناوين والقاب متعددة، حتى انه تمنى الشهادة بين يديه، واليكم هذا النص من تفسير سورة يوسف: ( يا بقية الله، قد فديتُ بكلي لك ورضيت السب في سبيلك، وما تمنيت الا القتل في محبتك (30).

 

والمعروف ان البهائيين يعترفون بأن المقصود ببقية الله في ادبيات الشيعة والشيخية في ذلك الوقت هو الامام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسکري عليه السلام، وبالتالي فان الناس يفهمون من كلام الباب الذي ذكرناه أنه قد أعد نفسه للاستشهاد في سبيل الامام المهدي عليه السلام.

 

وبهذا الصدد يقول فاضل المازندراني في كتاب اسرار الاثار: ان المراد ببقية الله في التأويلات الروحانية للشيعة هو مركز الامانة والولاية الالهية، وهو مأخوذ من حديث في وصف الأئمة يقول (أنتم بقية الله في عباده) ومن هنا لُقب الامام المهدي ببقية الله، وتكرر هذا اللقب في كتاب نقطة البيان حيث يقول الباب (انني أنا عبد من بقية الله) وفي صحيفة (بين الحرمين) يقول (… أن اسمعوا حكم بقية الله، وفي الصحيفة المخزونة ( لقد اخرجها بقية الله، صاحب الزمان عليه السلام الي بابه الذكر).

 

واستمر الباب على هذه الرؤية طوال اربع سنوات من دعوته، وذكرها في كل كتاب دوّنه خلال هذه الفترة، فقد اطلق على نفسه لقب (باب الامام الثاني عشر). ومن بين هذه الكتب يمكن الاشارة الي (تفسير سورة الكوثر) و(تفسير سورة البقرة) و(تفسير سورة العصر) و(الصحيفة العدلَية ).

 

وبعد السنة الرابعة من دعوته واثر واقعة بدشت بدأ اتباعه ومريدوه اطلاق لقب القائم الموعود عليه وأخذوا يعتبرونه صاحب شريعة جديدة بعد ادعائه القائمية، ومن هنا فان الكتب التي دونها الباب بعد هذا التاريخ لم تتضمن مدعياته السابقة عن نيابته عن الامام المهدي، ومن بين هذه الكتب (البيان الفارسي) و(البيان العربي) و(لوح هيكل الدين) و(الدلائل السبع)، وهذه الكتب موجودة حاليا ويمكن الاطلاع من خلالها على مزاعم الباب.

 

ان عامة اتباع الباب كانوا في البداية شيخيين، وعن طريقه آمنوا بالحجة، وكانوا يعملون علي تهيئة الظروف لظهور الامام المهدي عليه الاسلام، ومن هنا فان الكثير من الشيخيين قد تخلوا عنه عندما زعم القائمية. (32)

 

واستمر التخلي عن الباب في السنوات اللاحقة أي ان الكثير من البهائيين عندما علموا ان الباب غیر مدعياته بمرور الوقت من البابية الى القائمية ثم الي النبوة اعترضوا عليه وثاروا ضده، ومن بين هؤلاء العميد يدالله ثابت مؤلف كتاب (فراز وفرود) أي الصعود والهبوط. فقد نقل ثابت شواهد متعددة من بعض كتب الباب كتفسير سورة الكوثر تدل على انه كان يؤمن فی بعض الوقت بالامام الحجة عليه السلام بشكل راسخ، وبالتالي فان ادعائه القائمية ثم النبوة احرج البهائيين وجعلهم يتسائلون عن حقيقة منزلته وعن التناقض والاضطراب الفكري لديه.

 

ان اعتراف الباب بامامة وقائمية الامام المهدي هي مؤشر على هدم حجية الباب في مدعياته اللاحقة، وبالتالي فان التذبذب والتناقض في مدعياته قد كشف كذبه واحتياله.

 

والانشقاق الاول تمثل بالخلاف بين الميرزا يحيي وبهاء الله بعد وفاة الباب، وقد أوجد هذا الخلاف  حالة من الحيرة بين البابيين، فالذين كانوا يعتقدون ان الباب هو المهدي الموعود والمصلح العالمي فوجئوا بأنه لم يستطع مطلقا تحقيق وعود الانبياء السابقين في اصلاح المجتمع وتحقيق العدالة واقامة حكومة العدل الالهي في العالم، كما لم يستطع تحقيق الامن والاستقرار للمجتمع، وهذا ماأدي الي زعزعة الثقة في صفوف البابيين الامر الذي دفع بزعماء البابية الي العمل على توحيد صفوف اتباعهم حول خليفة الباب، ومع ذلك انقسم البابيون الي عدة اقسام رئيسية، فثارت مجموعة في زنجان بزعامة حجت الزنجاني في مدينة زنجان فقتل معظم افرادها بمعية قائدهم، كما ظهرت مجموعة اخرى بزعامة الملا علي الترشيزي الملقب بالعظيم.

 

 ويرى بعض المحققين كالاستاذ محيط الطباطبائي ان زعامة البابية بعد وفاة الباب انتقلت عمليا الي الترشيزي نظرا لقربه من الباب وتبعية الكثير من البابيين له (33)، وقد اعتقل هؤلاء وأُعدموا بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال ناصر الدين شاه.

 

ويبدو ان الميرزا حسين علي نوري كان في البداية كان ضمن هذه الجماعة، لانه اعتقل معهم لكنه نجى من الاعدام بوساطة السفير الروسي في ايران، وبعد سنوات ذكرت عزية خانم شقيقة الميرزا حسين علي في كتاب تنبيه النائمين ان أخاها هو من خطط لمحاولة الاغتيال. (34)

 

ان وفاة افراد مهمين من زعماء البهائية مثل حجَت زنجاني وملا علي ترشيزي مهدت الطريق لزعامة ميرزا حسين علي وأخيه.

 

وفي ظل هذه الاوضاع كان البهائيون يعتقدون ان ميرزا حسين علي وبالاستفادة من كتاب الباب، وضع وصية لصالح اخيه ميرزا يحيي صبح الازل لأبرازه على انه الزعيم بعد الباب، وهدفه من ذلك توجيه الاذهان الي اخيه صبح الازل ليتمكن من تنظيم مؤيديه بحرية ويعلن دعوته في الوقت المناسب. (35)

 

أما الازليون أي اتباع يحيي صبح الازل فيعتقدون ان الباب أمر اتباعه فعلا بوجوب اتَباع صبح الازل، ويعتبرون أن ميرزا حسين واتباعه يعملون على تزوير تعاليم الباب ويتخطون وصيته دون حجة أو دليل.

 

لقد برز الخلاف بشكل كبير حول نظام الشرعية لدى البهائية بعد وفاة الباب، وبعد ثلاثة حروب داخلية مع الحكومة انقسم من بقي من البهائية الي عدة اقسام، فمجموعة نادت باتباع تعاليم الباب في كتاب البيان، معتبرة ان الارض بعد وفاة الباب خلت من وجود شخص متصل بالعالم الاعلى وبالتالي دعت الجميع الى ان يتبعوا تعاليم الباب التي دونها في كتاب البيان، وسُمي هؤلاء (البيانيون).

 

ومجموعة اخرى اعتبرت ان ميرزا يحيى صبح الأزل هو خليفة الباب الذي ينبغي اطاعة اوامره ومن ينوب عنه، وسمي هؤلاء بالازليَة.

 

اما المجموعة الثالثة فقد اعتبرت ميرزا حسين علي نبيا جديدا، وهو الذي اشار اليه كتاب البيان بعبارة (من يظهره الله).

 

واللافت ان كل واحدة من هذه الفرق تعتبر الاخرى على باطل وتكيل لها التهم وتنعتها باقبح الالفاظ.

 

فمثلا نرى ان بهاء الله يتهم أخاه يحيى بالاستغلال الجنسي لزوجة الباب، ويقول في كتاب البديع: (ان السبب الاكبر لانزعاج الجمال الابهى من ميرزا يحيى هو ان الاخير… والله الذي لا اله الاَ هو… قد تصرف بحرم النقطة الاولى روح ماسواه فداه (يقصد الباب) وهو ما حرّمته جميع الكتب السماوية، ان وقاحة يحيى بلغت حد التعدي والخيانة لحرم مظهر المليك العلاَم أي الباب، فأفّ له ولوفائه (36).

 

وتكررت مثل هذه الالفاظ من البهاء بشأن يحيى صبح الازل حيث كتب عنه بالقول (انت تعلم ما اراد ابن الزنا في دمي متعمدا ) (37)

 

بالمقابل فان صبح الازل والازليين كشفوا الستار عن جرائم ميرزا حسين علي ونسبوا اليه قتل اعداد كبيرة من اتباعه في تصفية حسابات داخليَة بين البابيين. كما ان عزية خانم وهي شقيقة ميرزا حسين علي وميرزا يحيى والتي كانت ازليَة الهوى كتبت في رسالتها المشهورة الي عبد البهاء: ( لقد جمع حوله مجموعة من المارقين والاوباش الذين لم يؤمنوا يوما بأي دين ولا نبي، ولم يعرفوا شُغلا سوى قتل الناس ونهب اموالهم، انهم اشرار على غرار الشمر وليسوا حسينيين كما يدعون، لقد قطعوا انفاس كل من يتصرف بما يخالف رغباته، وسحقوا كل رأس لايدين بالولاء له، وخنقوا كل صوت يخالف صوته، والاصحاب من الطبقة الاولى هربوا خوفا من الجلادين أما الي العتبات المقدسة في كربلاء والنجف بحجة الزيارة، او الي اماكن اخرى، لقد ذبحوا سيد اسماعيل الاصفهاني وبقروا بطن حاجي ميرزا أحمد كاشي، وقتلوا ابو القاسم كاشي والقوا جسده في نهر دجلة،…، وهشموا جمجمة ميرزا رضا بالحجر ونثروا مخه، وهشموا اضلاع ميرزا علي، كما قتلوا العديد غير هؤلاء في ليلة ظلماء والقوا اجسادهم في نهر دجلة، ومزّقوا آخرين بالخناجر والسكاكين على رؤوس الاشهاد، ولما شاهد بعض المؤمنين هذه الافعال من حسين علي خرجوا من دين البيان، واشتهر بينهم بيت من الشعر يتندّرون به في مجالسهم وهو:

 

اگر حسين علي مظهر حسين علي است                                                      هزار رحمت حق بر روان پاك يزيد

 

ومعناه اذا كان حسين علي (البهاء) هو مظهر أو تجسيد للامام الحسين، فألف رحمة على روح يزيد، وكانوا يقولون انّا عرفنا الحسين مظلوما وليس ظالما. (38)

 

ان هذه الاختلافات وما رافقها من مجازر واضطرابات دفعت الدولة العثمانية الي الفصل بين الاخوين فابعدت كل واحد منهما الي مدينة لغرض تهدئة الاوضاع، فاُبعد البهاء الي مدينة عكا في فلسطين، بينما أُبعد يحيى الازل الي قبرص وبقيا هناك الي آخر حياتهما.

 

ونظرا لبروز هذه الخلافات الشديدة لابد من القول ان البابيين وبعد وفاة الباب لم يكونوا يمتلكون نظاما موحدا لتشخيص مشروعية زعمائهم، فانقسموا الي جماعات عدة.

 

الهوامش

 

——————

 

1-    كمال الدين، الجزء الاول ص 203

 

2-    كمال الدين، الجزء الاول  ص 205

 

3-    اصول الكافي، الجزء الاول ص 144

 

4-    البيان (العربي) ص 49

 

5-    مذهب در اسياى ميانه ص 285

 

6-    مذهب در اسياي ميانه ص 287

 

7-    البيان (فارسي) ص 130

 

8-    البيان (فارسي) ص 198

 

9-    ترجمة تفسير الميزان، الجزء الثالث ص 363

 

10-    كشف الغطاء عن حيل الاعداء ص 203

 

11-    صحيفه عدليه ص 9

 

12-    خطابات مباركه ص 7

 

13-    تلخيص تاريخ نبيل، الصفحات 59، 63، 64

 

14-  تاريخ ظهور الحق، الجزء الثالث ص 200

 

15 – اسرار الاثار، الجزء الاول ص 35

 

16- سورة البقرة – الايتان 23، 24

 

17 – سورة العنكبوت – الاية 48

 

18- سورة النحل – الآية 103

 

19 – للاطلاع على دلائل مدعيات الباب راجع كتابي (پيدايش) و)مهدي ستيزان) وهما اول وخامس كتاب من منشورات البهائية.

 

20 – سورة النساء، الاية 48

 

21 – سورة النساء، الاية 82

 

22 – كشف الغطاء ص 202 و 203

 

23 – من مريدي الباب ورفيق سجنه في ذلك الوقت، بل كان هناك ثلاثة سجناء يرافقون الباب في مجلس حمزة ميرزا.

 

24 – الكلام الذي يطلق على عواهنه دون تأمل وتفكير.

 

25 – الكواكب الدرية، الجزء الاول ص 235 – 237

 

26 – البيان (عربي) ص 26

 

27 – البيان (عربي) ص 42

 

28 – المقاله الشخصية ص 3 و 4

 

29 – هذا الجزء من تفسير سورة يوسف ورد ايضا في ص 22 من كتاب الرحيق المختوم اضافة الي نشره من قبل الازليين، وهو يعبر عن مدى تعصب البهائيين.

 

30 – هذا المورد جاء ايضا في كتاب المقالة الشخصية لعباس افندي

 

31 – اسرار الاثار، الجزء الثاني ص 68 و 69

 

32 – على سبيل المثال فان الملا عبد الخالق الذي كان من المقربين الي الباب والذي قُتل ابنه على هذا الطريق، لمّا سمع بادعاء القائمية من قبل الباب أعرض عنه وتبعه الكثير من الشيخية في التخلي عن الباب، وللمزيد من التفاصل عن قصته يمكن الرجوع الي كتاب مهدي ستيزان.

 

33 – مجلة كوهر العدد 63 حزيران 1978 ص 178 – 183 والعدد 64 تموز 1978 ص 271 – 277

 

34 – رسالة تنبيه النائمين ص 6

 

35 – المقالة الشخصية  ص 67 و68

 

36 – البديع ص 387

 

37 – البديع ص 300 

 

38 – تنبيه النائمين ص 15 – 17

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق

3 × 5 =